تقاريرمصر

الحكومة المصرية تهدم التاريخ وتبيع تراث الأمة لمشاريع فاسدة

أثارت قرارات الحكومة المصرية الأخيرة حول هدم مقابر الإمام الشافعي التاريخية استياء واسع النطاق، لتكشف عن وجه جديد من الفساد وسوء التخطيط، في خطوة مستفزة للرأي العام المصري وتجاهل صارخ لقيمة التراث الثقافي والمعماري الذي يمتد لقرون.

قررت وزارة الثقافة، بضغط شعبي هائل، إيقاف الهدم مؤقتاً لحين التنسيق مع الجهات المعنية، ولكن هذا التراجع لا يكفي لطمأنة الشارع المصري الغاضب.

وزير الثقافة أحمد هنو أعلن مؤخرًا تعليق عمليات الهدم، مشيرًا إلى أن هذا التوقف مؤقت لدراسة الموقف الكامل للأضرحة والمقابر الواقعة على مسار المحور المروري.

وفي اعتراف ضمني بغياب التخطيط المسبق، أشار الوزير إلى أن الهدم سيستمر بعد هذه الدراسة، مما يشير إلى أن نية الحكومة في الاستمرار في هذا المسار المدمر قائمة دون استشارة الخبراء أو مراعاة أهمية هذه الأضرحة.

من المثير للسخرية أن وزارة الثقافة تعد الآن بطرح حلول جديدة لتجنب هدم بعض الأضرحة ذات القيمة التاريخية والفنية، في حين سيتم نقل البعض الآخر، مما يطرح أسئلة عن نجاعة هذه الحلول وهل هي سوى محاولة لتخفيف الغضب الشعبي، خاصة في ظل غياب أي خطة واضحة لحماية ما تبقى من التراث القيم.

الهدم المثير للجدل لم يتوقف عند حدود القرارات الحكومية، بل تفجر الغضب بعد نشر صور توثّق هدم قبة مدفن حليم باشا، التي تعود إلى حقبة تاريخية غنية وذات طراز معماري فريد. أثار هذا الهدم موجة غضب شعبية واسعة، مع انتقادات حادة من المهتمين بالتراث والآثار في مصر وخارجها.

وبينما تدافع الحكومة عن مشاريعها المرورية وتبررها بأنها تصب في مصلحة التنمية وتسهيل حركة المواطنين، فإن الثمن المدفوع من التراث الثقافي لا يمكن تعويضه،

حيث إن هذه المقابر ليست مجرد مواقع دفن، بل جزء من هوية مصر التاريخية. ومع ذلك، تستمر الحكومة في تجاهل الأصوات المعارضة التي ترى في هذه الخطوات جريمة ضد التراث الإنساني.

مقابر الإمام الشافعي، التي أدرجتها “اليونيسكو” ضمن قوائم التراث العالمي، أصبحت الآن في مواجهة مع بلد لا يحترم تاريخه، بل يضع مصلحته الاقتصادية الضيقة فوق كل اعتبار.

لماذا تصر الحكومة على المضي في هذا المشروع دون إجراء أي دراسات كافية أو إشراك خبراء في التراث؟ وهل يمكن الوثوق في نوايا الحكومة بعدما أصبح التراث في مهب الريح؟ هذه الأسئلة تحاصر السلطات في ظل تفاقم الغضب الشعبي والانتقادات المتزايدة من خبراء الأثار والمعماريين.

تأتي هذه الأحداث في سياق مشروع حكومي ضخم لإنشاء محاور مرورية جديدة تهدف إلى الربط بين شرق وجنوب القاهرة، ولكنها تضع على المحك كنوزًا تاريخية لا تقدر بثمن،

في سعي محموم نحو ما يسمى “التطوير”. إلا أن هذا التطوير المزعوم يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه يعكس تخبطًا في التخطيط وضعفًا في الإدارة.

المدافعون عن التراث يرون أن هناك خيارات أخرى متاحة لتطوير البنية التحتية دون تدمير المواقع الأثرية، إلا أن الحكومة تبدو غير مبالية بمثل هذه الاقتراحات.

هذا ما دفع العديد من النشطاء والشخصيات العامة إلى تنظيم حملات ضد هدم مقابر الشافعي، وأُطلقوا دعوات صريحة للمجتمع الدولي للتدخل لحماية هذا التراث الذي يواجه خطر الاندثار.

على الرغم من الضغوط المحلية والدولية، لا تزال الحكومة ماضية في تنفيذ خططها، مُستندة إلى مبررات واهية تتعلق بأهمية تحسين البنية التحتية، فيما يبدو أنه تفضيل للمصالح الاقتصادية على حساب الحفاظ على الهوية الثقافية لمصر.

فما يحدث الآن ليس مجرد هدم لمقابر، بل هدم للروح الحضارية التي تشكلت على مدى قرون، وتعد المقابر في منطقة الإمام الشافعي رمزًا لتلك الروح.

هذه ليست المرة الأولى التي تقف فيها الحكومة المصرية في موقف المدمر للتراث. فقد تكررت مثل هذه الأحداث في السنوات الأخيرة، حيث يتم تدمير المواقع التاريخية لصالح مشاريع “التنمية” المزعومة.

وبدلاً من اتخاذ خطوات جدية لحماية التراث، تتعامل الحكومة مع هذه الكنوز كعقبات يجب إزالتها لتحقيق أهداف اقتصادية قصيرة النظر.

بينما يزداد الضغط الشعبي ويشتد الغضب، تظل الحقيقة المؤلمة أن الحكومة المصرية أثبتت مرارًا وتكرارًا أنها لا تضع التراث في قائمة أولوياتها. فهل سيتغير هذا الواقع؟

وهل ستسمع السلطات صرخات المحتجين والمطالبين بوقف هذه الجرائم ضد التاريخ؟ أم ستظل المصالح السياسية والاقتصادية هي المحرك الرئيسي وراء كل قرار يتم اتخاذه؟

الأيام القادمة ستكشف عن مدى جدية الحكومة في معالجة هذه الأزمة، لكن الدلائل الحالية تشير إلى أن هذا التوقف المؤقت ما هو إلا محاولة لكسب الوقت وتفادي التصعيد الشعبي، دون أي نية حقيقية للحفاظ على ما تبقى من التراث المصري.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى