اليوم الذكرى 51 لرحيل عميد الأدب العربي طه حسين
تمر اليوم الذكرى الحادية والخمسون لرحيل الأديب المصري الكبير طه حسين، الذي غادر دنيانا في الثامن والعشرين من أكتوبر عام ألفٍ وتسعمائة وثلاثة وسبعين، عن عمر يناهز أربعة وثمانين عامًا.
تظل مآثره وأفكاره محط اهتمام وجدل، حيث يعتبر طه حسين من أبرز الشخصيات في تاريخ الأدب العربي الحديث، وقد أطلق عليه لقب “عميد الأدب العربي” لجهوده البارزة في النقد والأدب.
نشأة قاسية وإرادة فولاذية
وُلد طه حسين في قرية الكيلو التابعة لمركز مغاغة في محافظة المنيا عام ألفٍ وثمانمائة وتسعة وثمانين. نشأ في أسرة بسيطة الحال،
حيث كان والده موظفًا بشركة السكر، ما جعله يعيش طفولة مليئة بالتحديات. أصيب بالعمى في سن الرابعة، لكن هذا لم يثنه عن تحقيق أحلامه، فقد كانت إرادته قوية كما الفولاذ.
بدأ مشواره التعليمي في الكُتاب، حيث حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، ثم انتقل للدراسة في الأزهر الشريف، حيث قضى أربع سنوات.
لكنه سرعان ما شعر بالضجر من أسلوب التعليم التقليدي في الأزهر، مما دفعه إلى الالتحاق بجامعة القاهرة في عام ألفٍ وتسعمائة وثمانية. تفوق حسين في دراسته الجامعية رغم إعاقته، مما أثار إعجاب الجميع.
الرحلة إلى فرنسا
كان لحصوله على بعثة إلى فرنسا دور كبير في حياته، حيث أصبح أول طالب مصري يحصل على شهادة الدكتوراه من الجامعة الفرنسية.
حصل على الدكتوراه في عام ألفٍ وتسعمائة وأربعة عشر، وكانت أطروحته تدور حول الشاعر والفيلسوف أبو العلاء المعري. بعد ذلك، عاد إلى مصر ليصبح أستاذًا للتاريخ في كلية الآداب، ثم تولى عمادة الكلية.
مساهمات في الحياة الثقافية والسياسية
تقلد حسين منصب وزير التربية والتعليم عام ألفٍ وتسعمائة وخمسين في حكومة الوفد برئاسة الزعيم مصطفى النحاس. خلال فترة توليه الوزارة، وضع خطة شاملة للنهوض بالتعليم،
حيث كان شعاره “التعليم كالماء والهواء”. أدت جهوده إلى إتاحة التعليم الابتدائي والثانوي للجميع، مما ساهم في محو الأمية ونشر الوعي بين الجماهير.
خلال مسيرته، قام بكتابة العديد من المؤلفات التي تركت أثرًا كبيرًا في الأدب العربي. من بين أعماله الشهيرة رواية “دعاء الكروان”، التي تحولت إلى فيلم سينمائي أبدع فيه كل من فاتن حمامة وأحمد مظهر، وهو يعتبر واحدًا من أبرز الأفلام في تاريخ السينما المصرية.
أعمال أدبية غزيرة
لم تقتصر إسهامات طه حسين على رواية “دعاء الكروان” فقط، بل كتب أيضًا العديد من الأعمال الأدبية الأخرى مثل “الأيام”، الذي يعتبر سيرة ذاتية تلخص قصة حياته.
تحولت أحداث هذا الكتاب إلى مسلسل تليفزيوني قدم شخصية طه حسين بشكل بارع، حيث أداها الفنان الراحل أحمد زكي.
كما جسد الفنان الراحل محمود ياسين شخصيته في فيلم “قاهر الظلام” عام ألفٍ وتسعمائة وثمانية وسبعين، مما ساهم في تقديم أعماله إلى جيل جديد من الجمهور.
تتميز أعمال حسين بالتنوع والعمق، حيث تناول فيها مواضيع اجتماعية وفكرية عديدة، تعكس تجاربه الحياتية ومعاناته بسبب إعاقته.
إرث فكري وأدبي
يعتبر طه حسين أيضًا رمزًا للأجيال المتعاقبة، فقد كان لديه القدرة على نقل أفكاره ومعاناته إلى الآخرين بطريقة مؤثرة. تزوج من الفرنسية سوزان عام ألفٍ وتسعمائة وسبعة عشر، وظلت رفيقة دربه حتى رحيله.
حصل على ترشيحات عدة لنيل جائزة نوبل في الأدب، وكان من أبرز الأسماء المرشحة لجائزة نوبل في هذا المجال. طه حسين كان ولا يزال من أعظم الأدباء في القرن العشرين، حيث يظل اسمه يتردد بين كبار المفكرين والأدباء مثل عباس محمود العقاد.
قصة إنسانية ملهمة
تجسد قصة طه حسين الإرادة القوية والعزيمة التي تغلبت على الصعاب. على الرغم من كونه كفيفًا، استطاع أن يحقق إنجازات غير مسبوقة في مجال الأدب والفكر. كانت لديه القدرة على تحويل الإعاقة إلى مصدر قوة، مما ألهم الكثيرين حوله.
توفي طه حسين في الثامن والعشرين من أكتوبر عام ألفٍ وتسعمائة وثلاثة وسبعين، تاركًا خلفه إرثًا عظيمًا لا يُنسى. لقد عايش طه حسين أزهى عصور الأدب العربي، وارتبط اسمه بمراحل مهمة من تاريخ مصر الحديث، حيث شهد أحداثًا تاريخية وثقافية عديدة.
تأثير طه حسين وإرثه الأدبي
إن ذكرى طه حسين هي تذكير بقوة الإرادة والإبداع في مواجهة التحديات. كان شخصية أدبية عملاقة أثرت في المجتمع العربي، ولا تزال أفكاره تعيش بيننا.
رحيله لم يكن نهاية، بل بداية لاستمرار إرثه الأدبي والثقافي، ليظل رمزًا للأمل والعزيمة لكل الأجيال القادمة. إن طه حسين، بإنجازاته وأفكاره، سيظل حاضرًا في ذاكرة التاريخ الأدبي العربي، مُلهمًا للأجيال الجديدة، محاطًا بهالة من الاحترام والتقدير.