تقاريرمصر

أزمة السكن في مصر: بين فساد الحكومة وعجز الشباب عن الزواج

مصر تعيش أزمة حقيقية وكارثية في توفير السكن الملائم للشباب الذي يرغب في بناء مستقبل له ولأسرته أزمة تزداد سوءاً كل يوم وتكشف عن فساد واضح في سياسات الحكومة تجاه المواطنين الفقراء والمتوسطي الحال

ازدحام المدن بآلاف الشباب الذين يحلمون بالزواج أصبح عبئاً ثقيلاً لا يمكن إنكاره ليس فقط بسبب غلاء المهور وتكاليف الزواج بل أيضا نتيجة الارتفاع الجنوني في أسعار الوحدات السكنية الأمر الذي جعل من الحصول على شقة حلمًا بعيد المنال

تفاقمت الأزمة حتى أصبحت ساحة للتساؤل عن الأسباب الحقيقية وراء هذا الانهيار فهل يكمن السبب في فساد الحكومة الذي يعمق جراح الاقتصاد المصري؟ أم هو سوء إدارة الموارد وغياب الخطط الإستراتيجية الفعالة لمعالجة المشكلة المتفاقمة؟

تتعدد الأسباب وتتشابك لكن ما لا يمكن تجاهله هو الأثر السلبي الكبير الذي يلقي بظلاله على حياة الشباب وقدرتهم على تأسيس أسر والحياة بشكل كريم في ظل أوضاع تزداد بؤسًا

تأتي التصريحات الحكومية المستمرة عن دعم الشباب وتسهيل إجراءات الحصول على السكن كذبًا واضحًا على أرض الواقع فعلى الرغم من الوعود الزائفة ببناء مشروعات سكنية بأسعار معقولة لا يجد الشباب سوى شقق أسعارها تتجاوز إمكانياتهم بكثير

حتى برامج الإسكان الاجتماعي المزعومة التي تم الترويج لها كحل للأزمة انتهت إلى مشاريع عقارية فاشلة ومرتفعة التكلفة لا يمكن لشاب في بداية حياته الاعتماد عليها

وما يزيد الطين بلة هو التهاون الواضح من قبل المسؤولين في مكافحة الفساد المستشري في قطاع العقارات حيث تم الكشف عن تلاعبات هائلة من قبل جهات حكومية ورجال أعمال يسيطرون على سوق العقارات بطرق غير قانونية يسهم هذا الفساد في ارتفاع أسعار الأراضي بشكل جنوني مما يؤدي إلى زيادة تكلفة البناء وبالتالي يصبح المواطن العادي غير قادر على تحمل هذه الأعباء

ورغم أن الحكومة تتفاخر بإنجازات وهمية كإقامة مدن جديدة ومشاريع ضخمة فإن معظم هذه المشاريع ليست في متناول المواطن البسيط

فمدن مثل العاصمة الإدارية الجديدة أو العلمين الجديدة مخصصة للنخب ورجال الأعمال دون أي اهتمام حقيقي بتوفير سكن لائق للشباب الذي يعاني من البطالة وتدني الأجور وارتفاع تكاليف الحياة اليومية

بالإضافة إلى ذلك نجد أن أسعار مواد البناء مثل الأسمنت والحديد قد ارتفعت بشكل لا يصدق في السنوات الأخيرة، ما زاد من أعباء تكاليف البناء بشكل مضاعف، وأدى إلى توقف العديد من مشاريع الإسكان المتوسطة والمنخفضة التكلفة.

ورغم الوعود الحكومية بتنظيم سوق البناء وضبط أسعار المواد، فإن الممارسات الاحتكارية والفساد في توزيع الموارد ما زالت مستمرة، ما جعل حلم الشباب في الحصول على سكن ملائم ضرباً من الخيال.

إن الفشل الحكومي في ضبط أسعار العقارات وتأمين مسكن ميسر للشباب لا يمكن وصفه إلا بالتقاعس والإهمال المتعمد، حيث تسود حالة من الفوضى في إدارة قطاع الإسكان، مما يؤدي إلى غياب الرقابة الفعالة على أسعار الوحدات السكنية، التي تجاوزت جميع الحدود المنطقية.

ففي بعض المناطق، ارتفعت أسعار الشقق إلى 900 ألف جنيه مصري للشقة الصغيرة، وهو ما يعادل أكثر من 10 أضعاف دخل المواطن المصري المتوسط السنوي.

ولا يمكن تجاهل الأثر النفسي الذي يتركه هذا الواقع الكارثي على الشباب، فقد تزايدت حالات الاكتئاب واليأس بين الشباب بسبب عدم القدرة على الزواج وتكوين أسر، نتيجة لعدم قدرتهم على توفير مسكن ملائم أو حتى توفير الاحتياجات الأساسية للزواج.

وللأسف، فإن الحكومة تتجاهل بشكل كبير هذه المعاناة المستمرة، وكأن المشكلة لا تمس إلا قلة قليلة من المواطنين.

وما يزيد الأمر سوءاً هو غياب السياسات الإسكانية العادلة التي يمكن أن تساعد في تخفيف هذه الأزمة، فعلى الرغم من أن هناك بعض المحاولات المحدودة لتوفير إسكان اجتماعي للشباب، إلا أنها تأتي ضمن برامج ضيقة الأفق وغير كافية لتلبية الطلب المتزايد على المساكن.

وفي كثير من الأحيان، نجد أن الشباب لا يستطيعون حتى التقدم للحصول على هذه الوحدات بسبب تعقيد الإجراءات والروتين الحكومي الممل، ما يؤدي إلى استبعادهم من هذه البرامج رغم حاجتهم الملحة.

إن الاستمرار في تجاهل الحكومة لهذه الأزمة وعدم اتخاذ إجراءات جادة وحازمة للتصدي للفساد المستشري في قطاع العقارات سيكون له عواقب وخيمة على المجتمع المصري ككل.

فعدم توفير سكن لائق للشباب يعني تأخير الزواج وزيادة في معدلات العنوسة، مما يؤثر سلباً على النسيج الاجتماعي ويزيد من تفاقم المشكلات الأسرية والاجتماعية.

وفي هذا السياق، نجد أن أصواتاً ترتفع من وقت لآخر مطالبة بتطبيق حلول جذرية وسريعة لمعالجة هذه الأزمة، ومن بينها ضرورة وضع سياسات حكومية قوية لمكافحة الاحتكار والفساد في سوق العقارات، إضافة إلى تقديم دعم فعلي للشباب من خلال برامج إسكان ملائمة تتناسب مع دخولهم وقدراتهم المالية.

كما يجب على الحكومة أن تعمل على تطوير تشريعات تضمن عدالة توزيع الأراضي والحد من سيطرة رجال الأعمال على سوق العقارات بطرق غير شرعية.

ومن المثير للدهشة أن الحكومة المصرية لم تتخذ بعد خطوات ملموسة لمواجهة هذه الأزمة بالرغم من التحذيرات المتكررة من الاقتصاديين والخبراء حول الآثار السلبية الكبيرة التي قد تنتج عن استمرار هذا الوضع المتردي.

إن هذه الأزمة لن تؤدي فقط إلى تدمير حلم الزواج لدى الشباب بل ستؤدي أيضاً إلى انهيار اجتماعي واقتصادي أكبر قد يمتد لعقود.

وبالإضافة إلى ذلك، نجد أن الفساد الحكومي لا يتوقف عند حدود الإسكان فقط، بل يتجاوزها ليشمل جميع مناحي الحياة الاقتصادية.

فالحكومة تبدو غير قادرة أو غير راغبة في التصدي للجشع الذي يسيطر على الأسواق المختلفة، من ارتفاع أسعار الغذاء إلى زيادات لا منطقية في الخدمات العامة. إن هذا الانفلات الاقتصادي لا يعكس إلا حالة من العجز الواضح في إدارة الموارد وتوجيهها لخدمة المواطن.

ويجدر بنا هنا الإشارة إلى أن هذا الواقع المتأزم قد يؤدي إلى تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية، حيث بات الشباب المصري يسعى للهروب من هذا الجحيم بأي ثمن بحثاً عن فرصة أفضل للعيش.

إن هذه الهجرة تمثل تهديداً خطيراً للأمن القومي المصري، حيث يفقد البلد كفاءاته وشبابه في ظل غياب السياسات الحكومية التي توفر لهم فرصًا حقيقة للحياة الكريمة.

من الواضح أن الحكومة المصرية بحاجة إلى إعادة النظر في سياساتها بشكل جذري، فاستمرار تجاهل مطالب الشباب وتهميشهم لن يؤدي إلا إلى المزيد من الفوضى والغضب الشعبي المتصاعد.

يجب أن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية لمعالجة الفساد المتجذر في قطاع الإسكان والعمل على تقديم حلول واقعية تضمن للشباب الحصول على مسكن ملائم يتيح لهم فرصة بناء أسرهم ومجتمعهم بشكل سليم.

إن تجاهل هذه الأزمة لن يكون له إلا عواقب كارثية على المجتمع المصري ككل. فالحكومة الآن أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تتحرك سريعًا وتضع حلاً حقيقياً لأزمة الإسكان، أو أن تستمر في تجاهلها لتصبح الأزمة أكبر من أن يتم حلها في المستقبل القريب.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى