تقاريرحقوق وحريات

مصر تغرق في الدماء وانتقادات دولية بعد صدور 282 حكم بالإعدام في 6 أشهر فقط

في مشهد قاتم ينذر بكارثة حقوقية جديدة، أطلقت حملة “أوقفوا عقوبة الإعدام في مصر”، المنبثقة عن المفوضية المصرية للحقوق والحريات، صرخة مدوية تكشف عن وجه مظلم ومتسارع لعقوبة الإعدام في مصر.

فقد تم إصدار 282 حكمًا بالإعدام خلال النصف الأول فقط من عام 2024، وهي أرقام صادمة تنذر بخطر غير مسبوق. من بين هذه الأحكام، أحيلت 48 قضية إلى مفتي الديار المصري،

كما صدرت 209 أحكام بالإعدام في درجاتها الأولى والثانية، فيما أكدت محكمة النقض 21 حكمًا بالإعدام، وتم بالفعل تنفيذ 4 أحكام بإعدام 4 مواطنين مصريين

هذه الأرقام المهولة تشير إلى أن مصر تسير على طريق خطير في توسع غير مبرر لعقوبة الإعدام، التي تحولت من عقوبة نادرة تستخدم فقط في الجرائم الأكثر خطورة إلى أداة قمعية رئيسية.

اليوم، تبدو السجون المصرية مزدحمة بالمدانين الذين ينتظرون مصيرهم المحتوم على أعواد المشانق، تحت غطاء نظام قانوني وقضائي أصبح موضع تساؤل كبير حول نزاهته وعدالته

المنظمات الحقوقية، محليًا ودوليًا، لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التصعيد الخطير. البيان الصادر عن الحملة دعا إلى تحرك عاجل وفوري من الحكومة المصرية لوضع حد لهذا الاتجاه القمعي.

الوضع لم يعد يحتمل مزيدًا من التسويف أو التبرير، حيث بات من الضروري إجراء إصلاحات قانونية وقضائية شاملة تضمن حقوق المتهمين في محاكمات عادلة وشفافة، وتحد من هذا الإفراط المخيف في استخدام عقوبة الإعدام كأداة ردع وعقاب

ما يثير السخط والقلق هو أن مصر تبتعد أكثر فأكثر عن المعايير الدولية التي تقيد استخدام عقوبة الإعدام للجرائم الأكثر خطورة فقط، لتتحول بدلاً من ذلك إلى دولة تتسابق فيها المحاكم لإصدار أحكام الإعدام.

المؤسسات الحقوقية تسأل بصوت عالٍ: هل حقًا الحل الوحيد للقضاء على الجريمة هو إنهاء حياة المدانين؟ هل الإعدام هو الخيار الأول والأخير في مواجهة التحديات الأمنية والاجتماعية؟ لا شك أن هذه الأسئلة تتردد في أذهان الكثيرين، وسط غياب أي نقاش جاد حول الحلول الحقيقية التي تعالج الجذور الحقيقية للمشاكل

التوسع في تنفيذ الإعدامات يشير إلى فشل ذريع في التصدي للأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي إلى ارتفاع معدلات الجريمة.

الفقر، البطالة، الجهل، والظروف المعيشية القاسية، جميعها عوامل تدفع الناس إلى حافة اليأس، ومع ذلك، بدلاً من معالجة هذه القضايا بجذورها، تلجأ الدولة إلى العقوبات القصوى وكأنها رسالة تهديد للجميع. رسالة مفادها: العصيان يعني الموت

الحملة دعت بوضوح إلى وقف هذا التوسع المجنون في تطبيق عقوبة الإعدام، واعتبرته اعتداءً صارخًا على مبدأ سيادة القانون وتراجعًا مخيفًا في حقوق الإنسان.

لكن يبدو أن السلطات المصرية ماضية في تجاهل هذه النداءات، مما يزيد من عزلة مصر على الصعيد الدولي، ويجعلها هدفًا للانتقادات اللاذعة من المؤسسات الحقوقية العالمية

لقد بدأ الضغط الدولي يتزايد بشكل ملحوظ، حيث تشن منظمات حقوقية حملات عالمية ضد هذا المسار الذي تتخذه مصر.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل تستجيب الحكومة المصرية لهذه الضغوط وتوقف تنفيذ هذه الأحكام؟ أم أنها ستستمر في مسارها الحالي، مدفوعة باستراتيجية قمعية تهدف إلى إسكات المعارضة بأي ثمن؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مصير الكثيرين ممن ينتظرون في طوابير الموت خلف قضبان السجون

الأرقام وحدها كافية لرسم صورة سوداء عن المستقبل: مئات من الأشخاص محكومون بالإعدام في غضون أشهر قليلة فقط، وهو ما يعكس حجم الكارثة التي تعيشها مصر اليوم.

النظام القضائي، الذي يُفترض أنه حصن العدالة، يعاني من غياب الشفافية، مما يجعل الكثيرين يشككون في مدى عدالة هذه الأحكام. ووسط هذه الفوضى، يستمر الغضب الدولي والمحلي في التصاعد، ما يضع مصر في مواجهة مباشرة مع انتقادات شديدة من مختلف الجهات الحقوقية حول العالم

ما يزيد من خطورة الوضع هو أن السلطات المصرية، التي تدعي محاربة الجريمة وتعزيز الاستقرار، تعتمد في واقع الأمر على عقوبة الإعدام كوسيلة لتكريس هيمنتها.

بدلاً من الاستثمار في إصلاح النظام الاجتماعي أو تحسين الأوضاع الاقتصادية، تلجأ إلى الإعدام كحل سريع وسهل، وكأنها تحاول إخفاء الجروح العميقة التي تنخر في جسد المجتمع المصري. هذا النهج الوحشي لا يعالج المشكلة، بل يزيدها تعقيدًا ويعزز من حالة التوتر الاجتماعي

من ناحية أخرى، لا يمكن تجاهل التساؤلات المتزايدة حول نزاهة النظام القضائي في مصر. فالعديد من المحاكمات التي تنتهي بأحكام الإعدام تُتهم بعدم احترامها للمعايير الأساسية للعدالة.

الاعترافات التي يُعتقد أنها انتزعت تحت الإكراه، والأدلة الضعيفة أو غير الكافية، تثير الكثير من الشكوك حول مدى عدالة هذه المحاكمات.

وإذا كانت العدالة هي الأساس الذي يُبنى عليه استقرار أي دولة، فإن مصر تواجه خطر الانزلاق إلى حالة من الفوضى القانونية التي قد لا تكون قادرة على الخروج منها بسهولة

وتجد مصر نفسها في مفترق طرق خطير. إما أن تختار طريق الإصلاح القانوني والقضائي الذي يضمن حقوق الإنسان ويعزز العدالة، أو أن تستمر في طريقها الحالي، الذي سيؤدي بلا شك إلى مزيد من العزلة الدولية والغضب الداخلي.

على السلطات أن تعي أن عقوبة الإعدام ليست الحل، بل هي جزء من المشكلة الكبرى. معالجة جذور الفقر والتهميش هي السبيل الوحيد لبناء مجتمع آمن وعادل، حيث لا تكون العقوبات القاسية هي الخيار الوحيد

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى