في ظل حديث الحكومة المصرية المتواصل عن استقرار الأوضاع الاقتصادية تتزايد المؤشرات التي تكشف عن حقيقة مغايرة تماما
فبينما يشيد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بجهود الدولة في خفض نسبة البطالة فإنه يتجاهل الأرقام المقلقة المتعلقة بانخفاض معدل التشغيل وهذه الأرقام ليست مجرد بيانات بل هي واقع يتحدث عن معاناة ملايين المصريين
استنادا إلى التقرير الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يظهر أن نسبة العاملين في مصر قد تراجعت بشكل ملحوظ من 42.3% في عام 2011 إلى 40.4% في عام 2023
فهل يعقل أن تكون هذه الأرقام علامة على الاستقرار كما تدعي الحكومة بينما الواقع يشير إلى تراجع ملحوظ في فرص العمل المتاحة
مدبولي في حديثه أشار إلى الإنجازات التي حققتها الحكومة في تخفيض البطالة لكنه تغافل عن الانخفاض الملحوظ في معدل التشغيل الذي يعتبر مؤشرا أساسيا على فعالية سوق العمل في البلاد كما أن الأرقام المتعلقة بالعاملين بعقد قانوني تشير إلى تراجع مقلق
حيث انخفضت هذه النسبة من 57.4% إلى 36.3% في نفس الفترة كما شهد العاملون بعقد دائم تراجعا من 68.3% إلى 64.1% مما يوضح أن الدولة ليست فقط في أزمة بطالة بل في أزمة استقرار وظيفي أيضا
ومن جانبها أيدت وزيرة التضامن الاجتماعي مايا مرسي تصريحات رئيس الحكومة حيث أكدت أن المبادرات الحكومية تهدف إلى توسيع نطاق الوصول إلى الخدمات الأساسية وهو ما يفترض أن يسهم في تمكين المواطنين من كسر دائرة الفقر لكن تلك التصريحات تبدو بعيدة كل البعد عن الواقع المرير الذي يعيشه المواطنون اليوم
وتتفق البيانات المحلية والدولية على أن معدل الفقر في مصر يصل إلى نحو ثلث إجمالي السكان مما يشير إلى أزمة حقيقية تحتاج إلى تدخل عاجل والجدير بالذكر أن خط الفقر العالمي لعام 2024 حدد بـ 2.15 دولار للفرد يوميا وهو ما يوازي أكثر من 104 جنيهات يوميا للمواطن المصري
في الوقت نفسه فإن الحد الأدنى للأجور الذي تم إقراره في فبراير الماضي والذي يبلغ 6000 جنيه شهريا يبدو غير كاف بالمرة لمواجهة تكاليف الحياة المتزايدة حيث يحتاج الفرد في أسرة مكونة من أربعة أفراد إلى دخل شهري يصل إلى 12480 جنيه ليكون قادرا على العيش بكرامة
وإذا ألقينا نظرة على الوضع الاقتصادي في مصر نجد أن تصريحات الحكومة حول انخفاض نسبة البطالة وتجاوز الأزمات الاقتصادية تتنافى تماما مع ما تعيشه الطبقة العاملة من صعوبات فكيف يمكن للحكومة أن تدعي استقرار الأوضاع الاقتصادية بينما تشير الأرقام إلى تدهور مستمر في الوضع الوظيفي والاجتماعي للمواطنين
تتجلى الحقيقة المريرة في تزايد معدل الفقر الذي يعاني منه المصريون حيث أن الثلث من السكان يعيشون تحت خط الفقر بما يشير إلى ضرورة إعادة تقييم السياسات الاقتصادية وتوجه الحكومة نحو تعزيز فعالية سوق العمل وتوفير فرص عمل حقيقية بدلا من الاكتفاء بتصريحات تفتقر إلى الصدق
من الواضح أن الحكومة لم تنجح في تحقيق الأهداف المعلنة بل إن التناقض بين الأقوال والأفعال يكشف عن تقاعسها في مواجهة التحديات الاقتصادية إذن كيف يمكن للمواطن أن يثق في الوعود الحكومية في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة
من الضروري أن تتوقف الحكومة عن تجاهل الحقائق وأن تتخذ خطوات جادة لمعالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة بدلا من الإيحاء بأن الأمور تسير بشكل جيد وهو ما لا يشعر به المواطنون في الشارع
إن التحديات التي تواجهها مصر ليست مجرد أرقام بل هي أزمات حقيقية تتطلب التحرك السريع والفعال من قبل الحكومة لا مزيد من التبريرات التي لا تعكس الواقع فقد حان الوقت لتكون هناك سياسة واضحة تركز على رفاهية المواطنين وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي
أصبح من الضروري أن تعيد الحكومة النظر في استراتيجياتها وأن تلتزم بوعودها تجاه الشعب فليس من المقبول الاستمرار في تقديم الأرقام والتصريحات المضللة في الوقت الذي يعاني فيه المواطنون من نقص حاد في الموارد الأساسية والفرص الاقتصادية
إن الأوضاع الحالية تتطلب من الحكومة أن تكون صادقة في تعاطيها مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية وأن تعمل بجد من أجل تحسين حياة المواطنين في البلاد فالشعب يستحق أكثر من مجرد كلمات فارغة بل يستحق فعلا حقيقيا يغير من واقعهم المأساوي
إن التغيير ليس مجرد خيار بل هو ضرورة ملحة تفرضها الحقائق المرة التي يعايشها الشعب المصري في كل يوم فهل سيتحرك المسؤولون قبل فوات الأوان أم ستظل الأمور كما هي دون أي تحسن يذكر
ويجب أن يكون المواطن المصري هو محور أي سياسة اقتصادية والاجتماعية مستقبلية فاستقرار الأوضاع لا يتحقق بالتقارير المزيفة بل عبر العمل الجاد والمخلص في مواجهة الأزمات الحالية والمستقبلية