في ظل المتغيرات الاقتصادية المتسارعة وارتفاع أسعار الوقود، تلجأ هيئة النقل العام في كل مرة إلى زيادة سعر التذكرة كحل سريع لمواجهة ارتفاع تكاليف التشغيل.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل يُعقل أن تكون تكلفة النقل العام، الذي يجب أن يُصنف كخدمة أساسية مُقدّمة للجميع، مرتفعة إلى هذا الحد الذي يجعلها أحياناً أعلى من وسائل النقل الخاصة كالميكروباص؟
النقل العام في الأساس تم إنشاؤه لخدمة فئات المجتمع كافة، وخاصةً محدودي ومتوسطي الدخل، حيث يُفترض أن يقدم وسيلة نقل ميسورة التكلفة وآمنة.
فالفكرة الجوهرية وراء وسائل النقل العامة هي أن تكون خياراً بديلاً اقتصادياً، يمنح المواطنين وسيلة تنقل موثوقة بتكلفة أقل، بينما يعتمد على الكفاءة التشغيلية والإيرادات الكبيرة الناتجة عن زيادة عدد الركاب بدلاً من رفع الأسعار.
لكن، ومع زيادة سعر التذكرة، نجد أن هيئة النقل العام تواجه مشكلة متكررة؛ فبدلاً من تحقيق إيرادات أعلى، تؤدي كل زيادة في السعر إلى عزوف الركاب تدريجياً، حيث يلجأ العديد منهم إلى بدائل أخرى مثل الميكروباصات أو حتى الدراجات أو المشي لمسافات طويلة، مما يخلق دائرة مفرغة.
ففي الوقت الذي تهدف فيه الهيئة إلى تغطية تكاليفها المتزايدة، ينخفض عدد الركاب ويقل الدخل، مما يؤدي إلى أزمة مالية داخل الهيئة نفسها.
يبدو أن الحل يكمن في اتباع سياسة تسعير عكسية، حيث يمكن لخفض الأسعار أن يكون له تأثير إيجابي بعيد المدى.
تخفيض سعر التذكرة ليس فقط من شأنه أن يخفف العبء المالي عن المواطنين، بل قد يؤدي إلى زيادة أعداد الركاب بشكل ملحوظ، وهو ما يُعتبر حلاً عملياً ومستداماً لتعزيز إيرادات الهيئة. فالعديد من الدول المتقدمة التي تواجه مشكلات مشابهة لجأت إلى تخفيض أسعار التذاكر كوسيلة لزيادة الطلب على وسائل النقل العام،
وجذب المزيد من المستخدمين، وقد أثبتت هذه السياسة نجاحها في تحقيق إيرادات ثابتة على المدى البعيد، كما أنها تُسهم في تخفيف الضغط المروري، وتقليل الانبعاثات الضارة الناتجة عن استخدام السيارات الخاصة.
إضافةً إلى ذلك، يحتاج النقل العام إلى تحسين جودة الخدمات التي يقدمها لضمان أن تكون وسيلة النقل مريحة وموثوقة.
توفير أوقات دقيقة للرحلات، نظافة الحافلات، وسرعة وصولها، كلها عوامل تُسهم في تحسين التجربة العامة للركاب وجذب المزيد منهم، وهو ما يجب أن يُؤخذ بعين الاعتبار جنباً إلى جنب مع سياسات التسعير.
بالتالي، يمكن القول إن هيئة النقل العام بحاجة إلى تغيير استراتيجيتها الحالية والتركيز على جعل النقل العام خياراً جذاباً من الناحية الاقتصادية والجودة.