منذ سنوات، اعتاد المصريون سماع التصريحات النارية المتكررة من الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث يصر في كل مرة على التأكيد بأنه حريص على تخفيف أعباء المواطنين المعيشية، مدعيا أن الإصلاحات الاقتصادية تضع مصلحة الشعب في المقام الأول، رغم الضغوط المتواصلة التي يفرضها صندوق النقد الدولي على مصر.
لكن مع كل تلك الوعود، يبدو أن الوقائع التي يعيشها المواطنون يوميا تخالف تماما ما يصرح به الرئيس، في ظل ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق وسياسات اقتصادية تستمر في إغراقهم بالديون والتضخم المتزايد.
السيسي يغرد خارج سرب الحقائق الاقتصادية: من يحكم؟
في وقت يتساءل فيه المصريون عن مصير اقتصاد بلادهم، تأتي تصريحات الرئيس السيسي وكأنها بعيدة تماما عن واقع السوق المصري.
بينما يعاني المواطن البسيط من الغلاء المتزايد والركود الاقتصادي، يظهر السيسي ليعلن في خطابات متكررة أنه يضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار.
ولكن الحقيقة المؤلمة على أرض الواقع تؤكد أن سياسات صندوق النقد الدولي هي التي تحكم مسار الاقتصاد المصري وليس وعود الرئيس.
فالتصريحات القوية التي يطلقها السيسي لا تتجاوز حيز الاجتماعات والمؤتمرات التي تُقال فيها، بينما يستمر صندوق النقد الدولي في فرض شروطه القاسية.
صندوق النقد يحدد الطريق: تصريحات مديرة الصندوق تكشف المستور
وفي سياق متصل، جاءت تصريحات مديرة صندوق النقد الدولي الأخيرة كصفعة على وجه تلك الوعود التي يطلقها الرئيس السيسي، حيث أكدت المديرة أنه بالرغم من إمكانية تعديل بعض البرامج بما يتناسب مع الظروف الاقتصادية، إلا أن تخفيف هذه الإصلاحات أو تأخير تنفيذها سيكلف مصر غاليا على المدى الطويل.
وبالتأكيد، فإن كلماتها تكشف حقيقة أن السيسي وحكومته لا يملكون الكثير من الخيارات أمام صندوق النقد، وأن من يتحكم بمصير الاقتصاد المصري هو الصندوق وليس الحكومة.
وقد وعدت مديرة الصندوق بزيارة القاهرة خلال عشرة أيام، لتقييم الأوضاع بشكل مباشر، لكن رسالتها كانت واضحة: “مصر ستكون في وضع أفضل إذا تم تنفيذ الإصلاحات سريعا ودون تأجيل”.
هذا التصريح يعزز حقيقة أن مصر مرهونة بتنفيذ شروط الصندوق بحذافيرها، وإلا فإن الأزمة ستتفاقم، لتصبح تكلفة التأجيل أضعاف ما يتحمله المواطن اليوم.
الغلاء المستمر بعد رفع أسعار الوقود: المواطن يدفع الثمن
وفي ظل تلك التصريحات، وبينما يعاني المواطن المصري من ارتفاع الأسعار بشكل يومي، تأتي خطوة الحكومة الأخيرة بزيادة أسعار الوقود بنسبة 17%، وهي الزيادة الثالثة خلال عشرة أشهر فقط، لتشعل فتيل الغضب في الشارع المصري.
فبعد ساعات قليلة من هذا القرار، قفزت أسعار معظم السلع والخدمات الأساسية بشكل جنوني، مما زاد من معاناة المواطنين، خصوصا ذوي الدخل المحدود.
هذه الزيادات تأتي في إطار خطة الحكومة المصرية لتحقيق الشروط التي فرضها صندوق النقد الدولي منذ تعويم الجنيه في 2016. ومع كل خطوة تنفذها الحكومة، يزداد العبء على كاهل المواطن الذي بات يجد صعوبة في تلبية احتياجاته الأساسية.
فالحكومة ماضية في تنفيذ شروط الصندوق بلا هوادة، وكأنها تسابق الزمن لتحقيق تلك الشروط بأي ثمن، حتى وإن كان هذا الثمن هو حياة المواطن العادي الذي لم يعد يتحمل المزيد من الأزمات.
من ينفذ أوامره: السيسي أم صندوق النقد؟
اليوم، يقف المصريون أمام تساؤل لا يحتمل التأجيل: من يتحكم بمصير اقتصادهم؟ هل هو السيسي بتصريحاته المطمئنة أم صندوق النقد الدولي بإملاءاته القاسية؟
الواقع يشير بوضوح إلى أن الحكومة المصرية لا تملك سوى الانصياع لتعليمات الصندوق، فالتصريحات التي يطلقها السيسي حول حماية المواطنين والحد من تأثير الإصلاحات الاقتصادية على حياتهم اليومية تبدو مجرد شعارات جوفاء، لا صدى لها في الشارع المصري.
فمنذ تعويم الجنيه وحتى اليوم، تستمر الحكومة في اتخاذ قرارات اقتصادية تزيد من تفاقم الأوضاع، بدءا من رفع الدعم عن السلع الأساسية وصولا إلى زيادة الضرائب ورفع أسعار الوقود.
والمواطن هو الضحية، حيث أصبح لا يملك من أمره شيئا، محاصرا بين وعود السيسي التي لا تتحقق على أرض الواقع وشروط صندوق النقد التي تزداد قسوة يوما بعد يوم.
استمرار ارتفاع الأسعار: المستقبل القاتم للمصريين
ما يزيد الوضع سوءا هو أن كل المؤشرات الاقتصادية تؤكد أن موجة ارتفاع الأسعار لن تتوقف قريبا. فمع استمرار الحكومة في تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي، سيبقى المواطن المصري عالقا في دوامة الغلاء والبطالة والتضخم المتزايد.
والأسوأ من ذلك أن الحكومة تبدو غير قادرة أو غير راغبة في اتخاذ أي خطوات حقيقية للتخفيف من هذه الأزمة. فالتصريحات الرسمية لا تتعدى التطمينات الواهية، بينما الواقع يشير إلى أن المصريين على وشك مواجهة مستقبل قاتم إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات عاجلة لوقف هذا التدهور.
الحكومة في موقف المتفرج: إلى أين يتجه الاقتصاد المصري؟
وفي ظل هذا المشهد الكارثي، تتخذ الحكومة المصرية موقف المتفرج، مكتفية بتنفيذ شروط صندوق النقد دون النظر إلى العواقب الوخيمة التي ستترتب على هذه السياسات.
فلم يعد هناك شك في أن مستقبل الاقتصاد المصري مرهون بتنفيذ إصلاحات هيكلية قاسية، والضحية الأولى والأخيرة في هذه المعركة هو المواطن المصري.
ويبقى السؤال: إلى متى سيستمر هذا الوضع؟ وهل يمكن للحكومة المصرية أن تستعيد زمام الأمور وتحقق فعلا ما يعد به السيسي في خطاباته، أم أن الشعب المصري سيظل يدفع ثمن هذه السياسات الاقتصادية الخاطئة؟