في ظل تصاعد عدوان الاحتلال الإسرائيلي بشكل متسارع تسجل الأحداث على الأرض تصعيدًا دموياً غير مسبوق فالصراع المحتدم يزفر الغضب والقوة وقد لا يعرف الهدوء مع تزايد الهمجية التي ينتهجها الاحتلال ضد الفلسطينيين يسعى إلى استعادة هيبته المفقودة بعد الهزيمة الفادحة التي تلقاها في معركة طوفان الأقصى تلك الهزيمة التي لا تزال تتردد أصداؤها في كل زاوية من زوايا التاريخ المعاصر.
يأتي الفشل في استعادة الأسرى ليزيد من حدة القلق لدى الاحتلال فقد أُطلق العنان لكل ما هو غير إنساني في سبيل القبض على يحيى السنوار قائد حركة حماس والذي يُعتبر رمزا للمقاومة فقد حشدت “إسرائيل” كافة إمكانياتها العسكرية والأمنية بهدف إقصائه عن الساحة مدفوعة بأوهام الانتصار على خصم لم يستطع السيطرة عليه.
السنوار الذي طالما كان عقبة أمام مخططات الاحتلال بذكائه وحنكته لم يكن مجرد هدف عادي بل كان يمثل رمزا للكفاح الفلسطيني وفي لحظة فارقة قرر أن يكتب فصلًا جديدًا في تاريخ المقاومة وهو على حافة الموت حيث استشهد وسط معركة لم يكن له فيها إلا الشجاعة والعزة متجسداً في صورة القائد الباسل الذي يواجه الموت بكل شجاعة ويصر على البقاء حتى الرمق الأخير.
لم تكن تفاصيل استشهاد السنوار تقليدية فهو لم يسقط ضحية قصف جوي أو معلومات استخباراتية دقيقة بل استشهد في معركة مباشرة مع جنود الاحتلال الذين لم يعرفوا هويته حتى لاحظوا وجهه ووجدوا وثائق هويته بحوزته حيث بدا واضحاً أن الاحتلال فشل مرة أخرى في تقدير قوة الخصم وقدرته على المقاومة.
كان يحيى السنوار مقاتلاً حتى النهاية فقد واجه العدو بصلابة واستعداد للتضحية كانت آخر لحظاته مليئة بالشرف حيث أثبت أنه لا يمكن ترويضه أو إخضاعه لقد كانت نهاية تتناسب مع شخصية رجل كرس حياته للقتال من أجل قضيته وأرضه لم يكن ليقبل أن يُصور كمن يختبئ أو يتوارى بل واجه رصاصات الغدر وهو مرفوع الرأس يرتدي بزته العسكرية.
خلال الحرب المستمرة على غزة أكدت حماس أن السنوار استشهد وهو مقاتل في ساحة المعركة وأعلنت شروطها التي تمثلت في وقف إطلاق النار وانسحاب الاحتلال مع الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين حيث لا مجال للتراجع عن المبادئ التي تمثل جوهر وجودهم في هذا الصراع المرير.
في بيانها الموجه إلى الشعب الفلسطيني أكدت حماس أن السنوار ارتقى كبطل مقبل غير مدبر مشيرة إلى أنه كان متواجدًا في الصفوف الأمامية مدافعًا عن فلسطين ومقدساتها وفي الوقت نفسه نعت الشهيد محمود حمدان الذي استشهد بجانبه في نفس المعركة مما يزيد من عمق الفاجعة التي أصابت المقاومة.
في سياق متصل عبّر القيادي في حماس عن أن دماء السنوار ستكون دافعًا لمزيد من المقاومة مشيرًا إلى أن هذا الشهداء سيشكلون لعنة على المحتلين وأكد أنه رغم الآلام والفقد فإن الفكرة ستبقى متقدة داخل النفوس وهذا ما يشدد عليه كل القادة في الحركة المتمسكين بمسار الجهاد حتى التحرير الكامل.
وصف القيادي في حماس اللحظات الأخيرة للسنوار حيث قاتل بشجاعة وإيمان عميق بقضيته ومصيره لم يتوانَ عن تقديم كل ما يملك من جهد ووقت وقوة في سبيل هذا الهدف النبيل مستمراً على نهجه المخلص حتى انتهى به المطاف إلى الشهادة والتي كانت تجسيدًا لرغبة لطالما سعى لتحقيقها.
وتبقى معادلة المقاومة واضحة فإن أي محاولة من الاحتلال لتعزيز قوة ردعه لن تفلح فالشهداء الذين يرتقون هم نبراس للمجاهدين والأمل لملايين الفلسطينيين الذين يرون فيهم القوة والتحدي لمواجهة آلة الحرب الصهيونية مستلهمين من بطولاتهم وشجاعتهم في الدفاع عن الأرض والكرامة.
تعبر كتائب الشهيد عز الدين القسام عن فخرها باستشهاد السنوار حيث تبرز ما يعنيه القائد في معركة التحرير حيث اعتبرت أن الشهادة هي الجائزة الكبرى في مسيرة الجهاد والدفاع عن الأرض وقد ذكروا محطات من حياة السنوار التي تبرز تاريخه العريق في المقاومة وصموده أمام الاحتلال.
في هذه الأثناء، أُعرب عن مشاعر الفخر لدى عائلة السنوار حيث عبروا عن اعتزازهم بأن يمر قائد من قادتهم في محطته الأخيرة في منزلهم وهو يناضل ضد المحتل ليؤكدوا أن أي ثمن يدفع في سبيل الحق هو شرف لا يضاهيه شيء.
لا تزال الصور المتداولة لجثة السنوار تثير الجدل حيث تكشف عدم فاعلية الاحتلال في محاولاته لنشر سرديات تبرر فشله فقد فشلت كل محاولاتهم لاعتباره هدفًا سهلاً ولم تنجح التقنيات العسكرية الحديثة في إخفاء الحقيقة التي تتجسد في صمود الرجل وشجاعته.
على الرغم من الاحتياطات الأمنية الكثيفة والعمليات الدقيقة إلا أن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال مهددًا بفشله في تحقيق أهدافه الحقيقية فقد استمرت معاناة الفلسطينيين تحت وطأة هذا الصراع الدامي مع استمرار التوتر والقلق في ظل عدم الاستقرار في المنطقة.
إن ما حدث مع السنوار ليس مجرد حادثة عابرة بل هو جزء من مسلسل طويل من الصراع حيث تمثل كل لحظة من لحظات المقاومة حالة من الثبات والإرادة في مواجهة ظلم الاحتلال وهذا ما يجعل من المقاومة رمزًا للأمل على الرغم من كل التحديات.
وتؤكد حركة حماس على أن استشهاد السنوار لن يكون نهاية الطريق بل سيكون بداية لمرحلة جديدة من المقاومة حيث سيستمر الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حقوقه ومقدساته حتى يحقق أهدافه في الحرية والاستقلال من نير الاحتلال الذي لم يترك وسيلة إلا واعتدى بها على حقوق الفلسطينيين.