تقاريرصحافة عبرية

تمرد عسكري إسرائيلي ومخاوف استخباراتية تهدد صفقة غزة

في خطوة غير متوقعة هزّت الأوساط السياسية والأمنية، أعلنت مصر استبدال اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، بالشخصية المجهولة حسن رشاد، ما أثار تساؤلات واسعة في إسرائيل حول تداعيات هذا القرار على مستقبل المفاوضات المعقدة بشأن الهدنة في غزة.

في ظل هذا التغيير المفاجئ تتزايد المخاوف من تأثير ذلك على الدور المصري المحوري في إدارة ملفات حساسة كإبرام صفقات الأسرى ووقف إطلاق النار، وهي ملفات كانت تحت قيادة عباس كامل الذي اشتهر بقدرته على المناورة وتحقيق توازنات دقيقة بين مختلف الأطراف المتناحرة.

ومع ذلك، ما زالت القاهرة متحفظة على إعلان سبب رسمي للإطاحة بكامل، مما يفتح الباب أمام شائعات عديدة تدور حول تدخل خارجي، وخصوصًا من قبل ولي العهد السعودي الذي يتزايد نفوذه في المشهد الإقليمي.

الكاتب الإسرائيلي ليئور بن أري كتب في صحيفة “يديعوت أحرونوت” معبرًا عن هذه المخاوف، مشيرًا إلى أن الغموض الذي يكتنف حسن رشاد يزيد من التوتر داخل إسرائيل، حيث لا تعرف الأوساط الأمنية الإسرائيلية مدى قدرة رشاد على تحمل العبء الكبير الذي كان يتحمله عباس كامل في إدارة ملفات غزة، خاصة مع تعقيد المشهد وتزايد الضغط الدولي والمحلي.

وأضاف أن استبدال كامل في هذا التوقيت الحساس قد يؤدي إلى تأخير المفاوضات بشأن صفقة تبادل الأسرى التي طال انتظارها بين إسرائيل وحماس، ما يهدد باندلاع موجة جديدة من العنف في حال فشلت الجهود المصرية في تحقيق اختراق سريع.

رغم هذا القلق المتصاعد في الأوساط الإسرائيلية، جاءت بعض التقارير العربية لتعطي بصيصًا من الأمل، حيث تفيد بأن حسن رشاد قد يكون الدم الجديد الذي تحتاجه عملية التفاوض، وأنه قد يجلب ديناميكية جديدة تُسرّع من وتيرة المحادثات حول وقف إطلاق النار وصفقة الأسرى.

إلا أن هذا التفاؤل لم يكن كافيًا لتهدئة المخاوف الإسرائيلية التي ترى في تغيير قيادة المخابرات المصرية خطوة غير محسوبة قد تكلف الكثير.

اجتماعات حاسمة في القاهرة

على صعيد آخر، كشفت مصادر عبرية أن رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي، ديفيد برنيع، زار القاهرة يوم الخميس الماضي في أول لقاء له مع اللواء حسن رشاد منذ توليه منصبه قبل عشرة أيام فقط.

حضر اللقاء أيضًا ممثلون عن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، حيث تمحور النقاش حول الجهود المصرية المتواصلة لتجديد المفاوضات بشأن صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، وتحديدًا بعد اقتراح القاهرة ما أسمته “صفقة صغيرة” تقضي بإطلاق سراح بعض المحتجزين الإسرائيليين في غزة مقابل تهدئة مؤقتة تمتد لمدة أسبوعين.

زيارة رئيس الموساد إلى القاهرة جاءت بالتزامن مع زيارة أخرى قام بها وفد من حركة حماس إلى العاصمة المصرية بقيادة خليل الحية، رئيس وفد التفاوض بالحركة، حيث جرت لقاءات سرية لم يتم الإفصاح عن نتائجها بعد.

ولكن ما هو مؤكد أن هذه المفاوضات لم تخل من التعقيد والصعوبات، خاصة في ظل المعارضات القوية داخل الحكومة الإسرائيلية لأي صفقة قد تُبرم في هذه المرحلة.

ولعل الأمر الأكثر تعقيدًا هو أن زيارة برنيع للقاهرة كانت مجرد محطة أولى ضمن جولة إقليمية متوقعة، حيث أكدت مصادر إسرائيلية أن برنيع سيطير إلى الدوحة يوم الأحد المقبل لعقد اجتماع مع مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) وليام بيرنز، ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.

تأتي هذه الاجتماعات في ظل ضغط متزايد من قادة الجيش الإسرائيلي لفتح باب المفاوضات بأسرع وقت ممكن لتجنب انهيار معنويات الجنود وتزايد التمرد داخل صفوف الجيش.

تمرد داخل الجيش الإسرائيلي

في تطور مفاجئ، شهدت الساحة العسكرية الإسرائيلية حالة من التمرد غير المسبوقة، حيث أعلن 15 جنديًا إسرائيليًا رفضهم مواصلة الخدمة العسكرية ما لم يتم التوصل إلى صفقة للأسرى.

هذه الخطوة التصعيدية تأتي بعد أيام قليلة فقط من توقيع أكثر من 130 جنديًا على رسالة احتجاجية يعلنون فيها رفضهم الاستمرار في الخدمة ما لم يتم إعادة الأسرى الإسرائيليين عبر اتفاق تبادل مع حركة حماس.

وقد أثار هذا التمرد غضب القيادات العسكرية الإسرائيلية التي حاولت في البداية تجاهل الاحتجاجات، إلا أن تزايد أعداد الجنود المحتجين دفع الجيش إلى اتخاذ إجراءات أكثر حزمًا.

وفقًا لتقارير صحفية إسرائيلية، بدأت القيادة العسكرية بإيقاف بعض الجنود الذين وقعوا على الرسالة الاحتجاجية، ووجهت لهم استفسارات حول توقيعهم، فيما أكد بعض الجنود أن الضغط النفسي والإحباط من عدم إحراز أي تقدم في قضية الأسرى هو ما دفعهم إلى اتخاذ هذه الخطوة الجريئة.

صحيفة “هآرتس” العبرية ذكرت أن الجيش الإسرائيلي يجد نفسه الآن في مأزق حقيقي، حيث إن تصاعد حالة التمرد داخل صفوفه يهدد بتقويض الروح المعنوية للقوات في وقت تتزايد فيه التحديات الأمنية على جبهات متعددة.

وأوضحت الصحيفة أن الجيش بات مضطرًا للتعامل مع هذه الأزمة بحذر شديد، خشية أن تتفاقم الأمور وتخرج عن السيطرة، خصوصًا في ظل تزايد الضغوط السياسية الداخلية على الحكومة الإسرائيلية للتوصل إلى حل سريع لهذه الأزمة.

أزمات متلاحقة وضغوط إقليمية

التحديات التي تواجه إسرائيل لا تقتصر فقط على الوضع الداخلي، بل تتعداه إلى ضغوط إقليمية متزايدة. فمع زيارة رئيس الموساد المتوقعة إلى الدوحة، يبدو أن الدوحة ستكون ساحة جديدة لمفاوضات شائكة بين إسرائيل وحماس، بوساطة قطرية وأمريكية.

إلا أن نجاح هذه المفاوضات يبقى مرهونًا بتجاوز العقبات الكبيرة التي تعترض طريقها، خصوصًا مع تعنت بعض الأطراف في الحكومة الإسرائيلية الرافضة لأي تنازل في هذه المرحلة.

في نهاية المطاف، تجد إسرائيل نفسها أمام مفترق طرق خطير. فإما أن تنجح الجهود الدبلوماسية والاستخباراتية في تحقيق تقدم ملموس في ملف الأسرى والمفاوضات مع حماس، أو أن تزداد حالة التمرد داخل الجيش الإسرائيلي، ما قد يؤدي إلى كارثة أمنية وسياسية تطيح بقيادات كبرى في حكومة نتنياهو.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى