تحت وطأة الأزمات الاقتصادية المتصاعدة تتجه الحكومة المصرية نحو اتخاذ خطوات غير مدروسة قد تؤدي إلى نتائج كارثية تطال حياة المواطن البسيط إذ تدرس وزارة التموين استخدام الذرة البيضاء في خلطها مع القمح لإنتاج الخبز المدعم
في خطوة تهدف إلى تقليل واردات القمح ورفع فاتورة الدعم وذلك بالاعتماد على إنتاج أراضي مشروع “مستقبل مصر” الواقع في صحراء مصر الشرقية والغربية والذي يشرف عليه القوات الجوية
هذه الخطوة تعيد إلى الأذهان تجارب سابقة فاشلة لا يمكن نسيانها إذ استخدمت الحكومة الذرة في إنتاج الخبز المدعم خلال أزمات عدة كان أبرزها في عامي 2008 و2013 ولكنها سرعان ما تراجعت بسبب تأثيرها المدمر على جودة الرغيف الأمر الذي أثار استياء المواطنين ولم يعد أحد يحتمل التجارب الفاشلة التي تعيد نفسها من جديد
لقد كشفت المصادر داخل قطاع المخابز والمطاحن عن أن هذا القرار لا يأتي من فراغ بل هو جزء من سلسلة محاولات الحكومة لتقليص الفاتورة الإجمالية للدعم إلا أن تلك المحاولات تنم عن تجاهل تام لآراء الخبراء وممثلي المخابز الذين حذروا من المخاطر المترتبة على استخدام الذرة
على مدار السنوات الماضية صدرت وعود كثيرة من وزارة التموين بدمج الذرة الصفراء مع القمح كجزء من خطة شاملة لتحسين الوضع الاقتصادي ولكن تلك الوعود لم تر النور بسبب عدم توفر المساحات الزراعية اللازمة لإنتاج الذرة فضلاً عن اعتماد البلاد على استيراد معظم احتياجاتها من هذه المادة الأساسية
كما تُستخدم الذرة بشكل أساسي في إنتاج الأعلاف بينما تدخل الذرة الصفراء في صناعات أخرى مثل الدقيق والنشا إلا أن استخدام الذرة في الخبز المدعم سيكون بمثابة قتل لجودة هذا المنتج الحيوي الذي يعتمد عليه ملايين المصريين في حياتهم اليومية
في هذه الأثناء يظهر مقترح حزب مستقبل وطن الذي دعا إلى استخدام الذرة مرة أخرى ولكن هذه المرة من خلال المستأجرين الذين يستغلون مساحات من أراضي مشروع “مستقبل مصر” في زراعة المحاصيل الاستراتيجية دون النظر إلى عواقب ذلك على المواطن البسيط
المفاجأة كانت في ردود فعل ممثلي المخابز الذين أعربوا عن اعتراضهم الشديد على هذا المقترح مؤكدين أن إضافة الذرة إلى القمح لن تؤدي إلا إلى تدهور جودة الرغيف ومذاقه بل وسيسهم في جعل عملية تخزينه أكثر صعوبة خاصة أن الوزارة تسير بخطى جادة لرفع نسبة استخراج الدقيق من القمح إلى 93.3% بدلاً من 87.5%
إذا ما تم تنفيذ هذه الخطة بالتوازي مع استخدام الذرة سيتسبب ذلك في حدوث تدهور غير مسبوق في شكل ولون وقوام رغيف الخبز ولعل ما يثير القلق بشكل أكبر هو أن هذا القرار يهدف إلى توفير 7% من استهلاك القمح مما قد يبدو مغرياً للحكومة لكنه يشكل تهديداً حقيقياً لجودة حياة المواطنين
إذا كانت الحكومة تهدف فعلاً إلى تحقيق توفيرات مالية فعليها أن تبحث عن حلول أكثر نجاعة وبعيداً عن التجارب الفاشلة التي شهدناها سابقاً إذ أن اللجوء إلى خيارات مثل خلط الذرة مع القمح ليس إلا هروباً من الواقع وكأننا نُجري تجارب على أرزاق الشعب
إن استخدام الذرة كبديل للقمح يعدّ خطوة غير محسوبة تماماً فبدلاً من معالجة جذور المشكلة يجب على الحكومة أن تركز جهودها على تطوير زراعة القمح محلياً وتعزيز الإنتاج الزراعي الوطني لضمان توفير القمح بجودة عالية تلبي احتياجات المواطنين
هل ستستمر الحكومة في تجاهل الأصوات التي تعبر عن قلقها من تلك الخطوات العشوائية؟ من الواضح أن الأمور تتجه نحو نتائج كارثية لا تحمد عقباها فالحياة اليومية للمواطنين لن تتحمل أعباء جديدة تتسبب بها خيارات غير مدروسة
إن قضية الخبز المدعم ليست مجرد مسألة اقتصادية بل هي مسألة حياة أو موت بالنسبة للعديد من الأسر المصرية لذا يجب على الحكومة أن تعيد النظر في خياراتها وأن تكون أكثر شجاعة في اتخاذ القرارات التي تصب في صالح المواطن
فلن يتحمل المواطنون مزيدًا من التجارب الفاشلة ولن يقبلوا بالمزيد من التدهور في جودة الخبز الذي يعتبر أساسيًا في حياتهم اليومية وعلى الحكومة أن تدرك أن قوت الشعب ليس مجالاً للتجريب بل يجب أن يكون خطاً أحمر لا يمكن المساس به
إن التوجه نحو استخدام الذرة يجب أن يُعاد النظر فيه وأن تكون هناك استجابة حقيقية لمطالب المواطنين الذين يستحقون الخبز الجيد والعيش الكريم فهل ستنتبه الحكومة إلى صوت الشارع وتستجيب لمطالبه؟ ذلك ما ستكشفه الأيام القادمة في ظل هذه الأوضاع المتدهورة التي تستدعي اتخاذ قرارات جريئة وفورية لضمان مستقبل أفضل للمواطن المصري