احتجاجات جماهيرية تطالب بوقف عرض مسلسل “ناس الملاح” يجمّل الاحتلال الإسرائيلي
تصاعدت الأزمات في المجتمع المغربي مع بداية عرض مسلسل “ناس الملاح” الذي يثير الكثير من الجدل منذ أولى حلقاته على القناة الثانية
وهو عمل درامي يحمل في طياته رموزًا متناقضة بين التقاليد والعولمة وبين الفخر بالهوية والقبول بالآخر لكن سرعان ما تحولت النوايا الحسنة إلى ساحة معركة فكرية تتنازع فيها الآراء والمواقف ويكون الوقود الرئيس لهذه الحرب هو مشاركة ممثلة إسرائيلية من أصول مغربية تدعى إيفا كادوش
إيفا التي ليست مجرد ممثلة عادية بل هي مجندة سابقة في جيش الاحتلال الإسرائيلي تشارك في المسلسل في أدوار تبدو جذابة ظاهريًا لكنها تحمل خلفها أبعادًا معقدة وخطيرة فقد عُرفت بمواقفها الداعمة للجيش الإسرائيلي خلال الحروب المتواصلة على قطاع غزة وتدويناتها التي تحرض على قتل الفلسطينيين وتفاخرها بنشر صور القنابل والصواريخ التي كانت موجهة لتدمير المنازل والمرافق الحيوية في الأراضي المحتلة
يأتي كل هذا في الوقت الذي يعيش فيه الشعب الفلسطيني تحت وطأة الحصار والقتل المستمر وبحيث أصبح وجود إيفا كادوش على الشاشة الصغيرة بمثابة إهانة مباشرة لآلام الفلسطينيين وأحزانهم في ظل الظروف الراهنة لذا فإن الانتقادات التي يواجهها المسلسل لم تكن مجرد ردود فعل عابرة بل كانت تعبيرًا عن الغضب الشعبي المتصاعد ضد التطبيع والتعاون مع شخصيات لها تاريخ مشين في دعم العنف
الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع لم تنتظر طويلًا لتجعل صوتها مسموعًا حيث دعت إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر القناة الثانية في العاصمة الرباط وهي خطوة تعكس مدى جدية المطالب الشعبية بوقف عرض المسلسل الذي يعتبرونه جزءًا من مخطط أوسع لتجميل صورة الاحتلال الإسرائيلي ومحاولة لتبييض سمعته في زمن يشهد فيه العالم كله تنديدًا بالسياسات العدوانية الإسرائيلية
بينما تسعى الجبهة لإيصال صوتها تبرز آراء أخرى تدافع عن المسلسل ويدعي منتجه أن كل ما يُنشر حول إيفا كادوش ليس سوى محاولات لتشويه سمعتها والانتقاص من دورها كفنانة ويؤكد في تصريحات صحفية أنه ضد الصهيونية وأن الممثلة المذكورة تؤمن بالتعايش السلمي بين جميع المغاربة بغض النظر عن دياناتهم وأصولهم ولكن هذه التصريحات لن تستطيع إخماد النيران المشتعلة في النفوس
الحقيقة أن دخول إيفا إلى عالم الفن المغربي لا يمكن اعتباره أمرًا عاديًا فهناك تباين هائل في الآراء حول مفهوم الهوية والمواطنة خاصة عندما يتعلق الأمر بالشخصيات التي تحمل تاريخًا معقدًا في السياقات السياسية المعاصرة يتساءل الكثيرون هل يجوز للمرء أن يتجاوز ماضيه ليكون جزءًا من نسيج مجتمع لم يعترف له بالحق في الوجود دون أن يدفع الثمن
وبينما انطلق عرض المسلسل في 28 سبتمبر الماضي برؤية مخرجته جميلة بنعيسى البرجي وبحضور وجوه فنية مغربية تُعتبر معروفة وأحبها الجمهور فإن التوجهات الشعبية والمطالب الجماهيرية بوقف بثه تزداد يومًا بعد يوم مما يثير تساؤلات حول قدرة الأعمال الفنية على تجاوز حواجز التاريخ والذاكرة الجمعية
تتجه الأنظار الآن إلى القناة الثانية وهي المؤسسة التي تمثل جزءًا من المشهد الإعلامي المغربي وفي خضم هذه الأحداث تتعرض لضغوط كبيرة بسبب ردود الفعل الغاضبة من جانب الناشطين والمواطنين العاديين الذين يرون في استمرار عرض المسلسل ضوءًا أخضر للتطبيع الثقافي وقد يكون ذلك ضارًا على المدى الطويل حيث إن الأعمال الفنية التي تحاول تقديم رسائل إيجابية قد تتحول بسهولة إلى أدوات دعاية إذا لم تتوائم مع حساسية المجتمع وتاريخه
وكما هو الحال دائمًا في مثل هذه القضايا لا يمكن الفصل بين الفن والسياسة إذ أن كل عمل درامي يطرح تساؤلات عن الهوية والانتماء والذاكرة ولهذا فإن موقف المجتمع من مسلسل “ناس الملاح” لن يكون مجرد رأي بل هو تعبير عن حالة شاملة من الصراع حول ما يعنيه أن تكون مغربيًا في زمن يعج بالتغيرات والانقسامات فهل سينجح الفن في توحيد الشعوب أم سيتحول إلى سلاح للفرقة والشتات
تبقى الأنظار مشدودة إلى ما ستسفر عنه الاحتجاجات المقبلة وما ستؤول إليه ردود الأفعال من الجانبين فالشارع المغربي يبدو مصممًا على أن يرفع صوته ويقول كلمته النهائية في قضية تلامس شغاف قلبه وتعبر عن قضايا الهوية والانتماء في زمن يبدو فيه كل شيء قابلًا للتغيير والاختبار