مقالات ورأى

المعتصم الكيلاني يكتب : من التحالف إلى التوتر: التحول الكبير في العلاقات الفرنسية – الإسرائيلية على ضوء الصراع في غزة ولبنان


المعتصم الكيلاني – المختص في القانون الجنائي الدولي – باريس

منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر 2023، شهدت العلاقات الفرنسية-الإسرائيلية تحولات كبيرة، حيث كانت فرنسا من أبرز الداعمين لإسرائيل تاريخيًا. لكن مع تصاعد العنف واستهداف المصالح الفرنسية في غزة،

وبالأخص المركز الثقافي الفرنسي، بدأت باريس في إعادة تقييم موقفها. توسعت التوترات أيضًا مع امتداد الصراع إلى لبنان، لتشهد العلاقات بين البلدين تحولًا من التحالف التقليدي إلى توتر كبير، مع تبادل للاتهامات والمواقف الحادة.

هذا المقال يحاول تقديم نظرة تحليلية حول هذه التحولات من خلال طرح أسئلة جوهرية وإجابات تحليلية، مع تسليط الضوء على التطورات السياسية والقانونية التي تؤثر على العلاقة بين البلدين.

كيف كانت طبيعة العلاقات الفرنسية الإسرائيلية في بداية الحرب؟

قبل اندلاع الصراع في غزة في أكتوبر 2023، كانت العلاقات الفرنسية-الإسرائيلية تتسم بالاستقرار والتعاون، وخاصة في مجالات الدفاع والدبلوماسية.

لطالما كانت فرنسا أحد أهم الداعمين لإسرائيل في أوروبا، على الرغم من الانتقادات التي كانت تواجهها إسرائيل في المحافل الدولية بشأن سياستها تجاه الفلسطينيين.

عند بدء العمليات العسكرية في غزة، كان موقف فرنسا أكثر تحفظًا، ولم تُظهر موقفًا حاسمًا تجاه التصعيد، على الرغم من القلق المتزايد بشأن الخسائر البشرية في القطاع. لكن التحول في العلاقات بدأ بشكل واضح بعد استهداف المصالح الفرنسية مباشرة،

خاصة عندما تعرض المركز الثقافي الفرنسي للقصف، مما أدى إلى سقوط ضحايا فرنسيين. هذا الهجوم أدى إلى موجة غضب داخلية وضغوط على الحكومة الفرنسية لاتخاذ موقف أكثر صرامة .

لماذا تغير الموقف الفرنسي تجاه إسرائيل؟

هناك عدة أسباب دفعت فرنسا إلى تغيير موقفها تجاه إسرائيل. أولاً، استهداف المصالح الفرنسية والضغط الشعبي داخل فرنسا، حيث بدأت منظمات حقوق الإنسان والنشطاء السياسيين في الضغط على الحكومة للتنديد بالعمليات العسكرية الإسرائيلية. ثانياً، كان لتوسع العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى لبنان دور كبير في تعزيز هذا التغيير، حيث كانت فرنسا دائمًا تعتبر لبنان دولة مهمة نظرًا للعلاقات التاريخية والثقافية بين البلدين .

مع تصاعد الصراع في غزة، بدأت فرنسا تدعو علنًا إلى وقف إطلاق النار، وهو الموقف الذي زادت حدته مع امتداد الحرب إلى لبنان. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أشار إلى أن الاستمرار في العمليات العسكرية في المنطقة قد يؤدي إلى تداعيات خطيرة ليس فقط على المستوى الإنساني، بل أيضًا على الاستقرار في الشرق الأوسط، ما دفع باريس إلى اتخاذ مواقف أكثر انتقادًا تجاه إسرائيل.

ما هي أبرز التحولات في السياسة الفرنسية تجاه إسرائيل؟

في أكتوبر 2024، شهد العالم تحولًا كبيرًا في السياسة الفرنسية تجاه إسرائيل. أعلنت فرنسا وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وأشارت إلى أن العمليات العسكرية التي تقوم بها تل أبيب في غزة ولبنان تمثل انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني.

كما دعمت باريس دعوات مجلس حقوق الإنسان لحظر تسليح إسرائيل، ووصفت الهجمات على غزة ولبنان بأنها تصل إلى حد الجرائم ضد الإنسانية .

هذا القرار كان مفاجئًا لإسرائيل، حيث كانت فرنسا تعد من أبرز الموردين العسكريين لها. وردت إسرائيل بانتقاد حاد لهذا القرار، وأعلنت أنها ستلجأ إلى وسائل قانونية لمواجهة الحظر المفروض عليها.

هذا التحول الفرنسي لم يقتصر فقط على الساحة العسكرية، بل امتد ليشمل المجالات الاقتصادية أيضًا، حيث تم منع الشركات الإسرائيلية من المشاركة في المعارض العسكرية الدولية، مثل معرض “يورونافال” في باريس.

كيف يؤثر الصراع في لبنان على العلاقات بين البلدين؟

توسيع إسرائيل لعملياتها العسكرية إلى لبنان أضاف طبقة جديدة من التعقيد للعلاقات الفرنسية-الإسرائيلية. لبنان يُعتبر منطقة ذات أهمية خاصة لفرنسا، نظرًا للروابط التاريخية والسياسية والثقافية التي تجمع البلدين. لذا، كان الهجوم الإسرائيلي على لبنان بمثابة تهديد مباشر لمصالح فرنسا في المنطقة، خاصة مع تزايد التقارير عن استهداف المدنيين والبنية التحتية اللبنانية.

فرنسا، التي كانت تشعر بالفعل بضرورة اتخاذ موقف حازم تجاه العمليات في غزة، وجدت نفسها مجبرة على مضاعفة الضغط على إسرائيل لوقف العمليات العسكرية في لبنان. كما أن استمرار الصراع في لبنان أدى إلى مزيد من التحرك على مستوى الاتحاد الأوروبي لدفع إسرائيل إلى وقف القتال وتجنب التصعيد .

إلى ذلك قامت فرنسا باستضافة مؤتمر دولي من اجل لبنان بتاريخ 24 اكتوبر مؤكدة فيه دعمها الكامل للجيش اللبناني عسكرياً و لوجستياً لبسط سيطرته الكامل على الأراضي اللبنانية ومطالباً على إنهاء العمل العسكري ضد لبنان والانسحاب من الأراضي اللبنانية على الفور .

هل تشعر فرنسا بأنها تورطت في دعم إسرائيل في بداية الحرب؟

من خلال النظر إلى تحركات فرنسا الأخيرة، يبدو أن باريس تشعر بشيء من التورط في دعمها الأولي لإسرائيل، خاصة بعد تصاعد الانتقادات الداخلية والخارجية بشأن صمتها الأولي تجاه الهجمات.

في البداية، حاولت فرنسا الحفاظ على علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، ولكن مع تزايد الجرائم الموثقة ضد المدنيين في غزة ولبنان، اضطرت الحكومة الفرنسية إلى إعادة تقييم موقفها.

يبدو أن الدافع الرئيسي وراء هذا التغيير هو الحاجة لتجنب أي تداعيات قانونية أو دبلوماسية قد تلحق بفرنسا نتيجة دعمها لإسرائيل، خاصة في ظل الدعوات المتزايدة لمحاسبة المسؤولين الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية ، وخاصة ايضاً مع تزايد اتخاذ محكمة العدل الدولية حكمها الذي

ما هو مستقبل العلاقات الفرنسية-الإسرائيلية؟

على المدى القريب، من المتوقع أن تستمر التوترات بين فرنسا وإسرائيل، خاصة في ظل المواقف الحادة التي اتخذتها باريس. العلاقات العسكرية قد تتأثر بشكل كبير مع استمرار حظر تصدير الأسلحة، وهو ما قد يدفع إسرائيل إلى البحث عن شركاء جدد في السوق الأوروبية.

أما على المدى البعيد، فإن مستقبل العلاقات بين البلدين يعتمد بشكل كبير على تطورات الصراع في المنطقة، وتحديدًا في لبنان. إذا استمرت العمليات العسكرية الإسرائيلية وتزايدت الضغوط الدولية على إسرائيل، فمن المحتمل أن تتخذ فرنسا موقفًا أكثر تشددًا في المحافل الدولية، ما قد يؤدي إلى تفكك التحالف التقليدي الذي كان يربط البلدين.

من التحالف إلى التوتر

منذ 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم، شهدت العلاقات الفرنسية-الإسرائيلية تحولًا كبيرًا، حيث انتقلت فرنسا من حليف استراتيجي لإسرائيل إلى واحدة من أبرز منتقديها. استهداف المصالح الفرنسية في غزة وتوسع الصراع إلى لبنان

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى