الدكتور ايمن يكتب : مصر ودورها في التحولات الأمنية بالصومال..
تشهد الساحة الدولية تطورات متسارعة تتعلق بالأوضاع الأمنية في الصومال، حيث سيُعقد غدًا اجتماع هام لمجلس السلم والأمن الأفريقي (PSC) لمناقشة تطورات الوضع في الصومال وترتيبات البعثة الجديدة المنتظرة لدعم الاستقرار هناك، والمعروفة باسم بعثة الاتحاد الأفريقي للدعم والاستقرار في الصومال (AUSSOM).
تأتي هذه البعثة كخليفة لبعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (ATMIS)، والتي ينتهي تفويضها بنهاية ديسمبر 2024.
الاجتماع الذي يرأسه محمد عمر جاد، المندوب الدائم لجمهورية مصر العربية لدى الاتحاد الإفريقي ورئيس مجلس السلم والأمن لشهر أكتوبر، يهدف إلى تلقي تحديثات حول الأوضاع الميدانية في الصومال، والتأكد من تفادي أي فراغ أمني قد ينجم عن انسحاب قوات ATMIS.
ومن المتوقع أن يقدم مفوض الاتحاد الإفريقي للشؤون السياسية والسلم والأمن، بانكولي أديواي، تقريرًا حول التطورات الأخيرة، إلى جانب مداخلات من الممثل الخاص لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي لدى الصومال، محمد الأمين سويف، والممثل الأعلى لرئيس المفوضية لصندوق السلام، دونالد كابيروكا.
إحدى أهم القضايا التي ستناقشها الجلسة هي كيفية تأمين تمويل مستدام للبعثة الجديدة، AUSSOM، في ظل المعوقات المالية التي واجهت ATMIS منذ انطلاقها في عام 2022. الاتحاد الأوروبي،
الذي دعم مكونات البعثة العسكرية والمدنية، دعا إلى ضرورة إشراك شركاء جدد لتقاسم الأعباء المالية، بعد 17 عامًا من تقديمه الدعم. من المتوقع أن يناقش الاجتماع أيضًا سبل الاستفادة من قرار مجلس الأمن رقم 2719 الذي يدعو إلى تمويل بعثات السلام الإفريقية من خلال المساهمات المُقدرة للأمم المتحدة.
الولايات المتحدة تبرز كأحد الأطراف المتحفظة على منح تفويض جديد للبعثة تحت قرار 2719، مقترحةً آلية تمويل مؤقتة تمتد لعامين قبل اتخاذ قرار طويل الأمد. في هذا السياق، أثارت واشنطن نقاشًا مع الاتحاد الأوروبي في محاولة لإقناعه بتقديم دعم للميزانية المؤقتة.
في المقابل، تدعم الصين وروسيا بوضوح تفويض البعثة الجديدة بموجب القرار 2719، حيث يعتبرون هذا التفويض ضروريًا للحفاظ على المكاسب الأمنية في الصومال.
من الجانب المصري، تلعب القاهرة دورًا محوريًا في هذا الملف، حيث عرضت إرسال قوات للمساهمة في بعثة AUSSOM. وقد رحّب مجلس السلم والأمن الإفريقي في أغسطس 2024 بمقترح مصر لتعزيز عناصر البعثة،
وهو ما يمثل تحولًا في توجه السياسة الخارجية المصرية نحو تعزيز حضورها في القرن الإفريقي، خاصة في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، وتحديدًا بين الصومال وإثيوبيا.
وفي هذا السياق، وقّعت مصر اتفاقية دفاعية ثنائية مع الصومال لدعم قدراتها العسكرية في مواجهة جماعة الشباب الإرهابية. كما شاركت مصر في تشكيل تحالف ثلاثي مع إريتريا والصومال،
تم الإعلان عنه في قمة عُقدت في أسمرة في أكتوبر 2024. هذا التحالف يعزز من نفوذ القاهرة في المنطقة، ويدعم توجهاتها نحو حفظ الأمن والاستقرار في القرن الإفريقي.
إضافةً إلى ذلك، يبرز الدور المصري في المحاولات الدبلوماسية الرامية إلى تهدئة التوترات بين الصومال وإثيوبيا، على خلفية اتفاقية إثيوبيا مع إقليم صوماليلاند حول الوصول إلى البحر وإنشاء قاعدة بحرية. هذا التوتر جعل العلاقات بين البلدين في حالة من التصعيد،
وفتح المجال أمام مصر لتعزيز تحالفها مع الصومال، مما أدى إلى اتفاق البلدين على استبدال القوات الإثيوبية في بعثة AUSSOM بقوات مصرية.
التوتر المتصاعد بين الصومال وإثيوبيا يلقي بظلاله على مناقشات تمويل وتفويض البعثة الجديدة. فالصومال أبدى موقفًا حازمًا بعدم السماح للقوات الإثيوبية بالمشاركة في البعثة الجديدة،
ما لم تتراجع إثيوبيا عن مذكرة التفاهم التي وقعتها مع صوماليلاند. هذا التصعيد قد يؤثر سلبًا على الاستقرار الإقليمي ويزيد من تعقيد المشهد الأمني في الصومال.
مصر، بدورها، استثمرت في هذا التوتر لتعزيز شراكتها مع الصومال، ما أتاح لها دورًا أكبر في جهود استقرار المنطقة. ويبدو أن هذا التطور يعزز من مكانة القاهرة كفاعل رئيسي في الترتيبات الأمنية في القرن الإفريقي، خاصة مع موافقة الصومال على نشر قوات مصرية في بعثة AUSSOM.
من المتوقع أن يسفر الاجتماع عن بيان ختامي يُشدّد فيه مجلس السلم والأمن الإفريقي على أهمية الحفاظ على المكاسب الأمنية التي تحققت في الصومال بفضل بعثة AMISOM وATMIS.
كما يُرجّح أن يعيد المجلس تأكيد التزام الاتحاد الإفريقي بدعم جهود مكافحة الإرهاب في الصومال، مع التركيز على ضرورة توفير تمويل مستدام ومرن للبعثة الجديدة. قد يعيد المجلس أيضًا التأكيد على أهمية التعاون بين الحكومة الفيدرالية الصومالية والدول المساهمة بالقوات لضمان انتقال سلس من ATMIS إلى AUSSOM.