في وقتٍ تتزايد فيه الأعباء على كاهل الأسر المصرية، يتجلى غياب وزارة التعليم بشكل صارخ، مما جعل الدروس الخصوصية تتصدر المشهد. والكارثة تتفاقم يوماً بعد يوم، حيث يضطر أولياء الأمور إلى تحمل تكاليف إضافية تستهلك معظم مدخراتهم.
إنه واقعٌ مؤلم يعيش فيه الجميع، بدءًا من الطلاب الذين يستشعرون عدم الاستقرار، وانتهاءً بأسرهم التي تُنفق من جيوبها ما لا يُحصى من الأموال، بينما تتلاشى آمالهم في التعليم الرسمي.
لقد بدأت ظاهرة الدروس الخصوصية في الانتشار بشكلٍ ملحوظ، بدءًا من شهر أغسطس، قبل دخول العام الدراسي الجديد بشهرين كاملين.
المدارس أصبحت شبه غائبة عن الساحة، وأصبح المعلمون مجرد أسماء تُضاف إلى قائمة الانتظار. أولياء الأمور لم يجدوا أمامهم خيارًا سوى الرضوخ للواقع القاسي، مع غياب أي تحرك من قبل الجهات المسؤولة.
الزيادة في أسعار الدروس الخصوصية لم تكن مفاجئة، حيث شهدت ارتفاعًا بنسبة تصل إلى 50% مقارنة بالعام الماضي. بينما تتراوح أسعار الحصص التعليمية على المنصات الإلكترونية بين 100 و150 جنيهًا، في الوقت الذي يتراجع فيه دور المعلم ويُحجم الطلاب عن الذهاب إلى المدارس.
المكتبات هي الأخرى لم تسلم من موجة الارتفاع الجنوني، حيث تضاعفت أسعار الكتب الخارجية، وزادت بنسبة تتراوح بين 25% و50%. جميع هذه المتغيرات تجعل التعليم في مصر تجارة حقيقية، يسعى من خلالها التجار لكسب المزيد من الأرباح على حساب المستقبل التعليمي للأجيال القادمة.
ثقافة شراء الكتب الخارجية والدروس الخصوصية أصبحت سائدة بين أولياء الأمور، إذ يعتبرونها السبيل الوحيد لضمان نجاح أبنائهم.
تُشير الأرقام إلى أن الكتب الخارجية ليست خيارًا، بل ضرورة ملحة في ظل تراجع مستوى التعليم الرسمي. المعلم أصبح غائبًا، بينما تُعتبر الدروس الخصوصية بديلاً لا مفر منه، مما يضطر الأسر إلى صرف مبالغ طائلة لمواكبة هذا النظام التعليمي.
شهادات من أولياء الأمور تكشف حجم المعاناة. فقد أعربت إحدى الأمهات عن قلقها بشأن تكاليف التعليم، موضحةً أنها تُنفق أكثر من 700 جنيه على كتب ابنها في الصف الثالث الإعدادي فقط. هذا السيناريو يتكرر في منازل عديدة، حيث يواجه الآباء صعوبة في تدبير الأموال اللازمة لشراء الكتب والدروس.
الأمر لا يقتصر على تكاليف الكتب فقط، بل يمتد إلى مصاريف الدروس الخصوصية التي أصبحت عبئًا لا يطاق. الأمهات والآباء في قلق دائم، يعيشون في كفاف من أجل تعليم أبنائهم. فقد أكد أحد أولياء الأمور أن العملية التعليمية في قريتهم تتطلب تكاليف مضاعفة مقارنة بالمدن، حيث أصبحت التعليم تجارة لا تنتهي.
تدني مستوى التعليم في المدارس العامة يتطلب من الأسر اتخاذ إجراءات غير تقليدية، مثل الاعتماد على الدروس الخصوصية التي يديرها معلمون غير مؤهلين في كثير من الأحيان.
هناك حاجة ملحة للتصدي لمشكلة الدروس الخصوصية من خلال تحرك حقيقي من وزارة التعليم، لكن يبدو أن الأوضاع مستمرة على حالها، ولا يظهر أي أمل في تحسين الوضع.
جولة ميدانية في المكتبات والأسواق تُظهر الإقبال المتزايد على شراء الكتب، خاصة بعد إلغاء بعض المواد في مناهج الثانوية العامة. الأمور خرجت عن السيطرة، حيث يبيع بائعو الكتب أسعارًا متفاوتة وفقًا للسوق. يبيع البعض الكتب المستعملة بأسعار منخفضة، مما يعكس أزمة التعليم وعدم قدرة الأسر على تحمل تكاليف الكتب الجديدة.
إن ارتفاع أسعار الكتب الخارجية يعود بالأساس إلى الزيادة العالمية في أسعار الورق والمواد الأخرى المستخدمة في الطباعة. يدفع الطلاب ثمن هذه الأزمة، بينما تُركت الحلول للآباء، الذين يُعانون من تدني الأجور وارتفاع الأسعار في كل شيء. الأمر يبدو وكأنه عقوبة تُفرض على الأجيال القادمة، حيث يتعين على الطلاب التكيف مع ظروف صعبة وغير منطقية.
وفي الوقت الذي يُظهر فيه الخبراء تخوفهم من الاعتماد المفرط على المنصات التعليمية، حيث تؤدي إلى تدهور جودة التعليم. التعلم عبر الإنترنت لا يُعوض عن أهمية التواصل والتفاعل المباشر بين المعلم والطالب. غياب المعلم في الصف الدراسي يعني فقدان أهم العناصر التي تسهم في نجاح العملية التعليمية.
كما أشار أحد المعلمين إلى أن التفاعل الفوري بين المعلم والطلاب يُعتبر عنصراً حيوياً في العملية التعليمية، حيث يستطيع المعلم تقييم مستويات فهم الطلاب وتوجيههم وفقاً لاحتياجاتهم. التعليم عبر الإنترنت يُفقد الطلاب هذه التجربة القيمة، مما يجعلهم يشعرون بالانفصال عن العملية التعليمية.
الوضع الراهن يدعو إلى ضرورة وجود حلول جذرية وعاجلة. الوزارة مسؤولة عن توفير بيئة تعليمية ملائمة للطلاب، ومن الضروري تعيين معلمين مؤهلين وتقديم رواتب تعكس قيمة العمل الذي يقومون به. على الحكومة أن تعيد النظر في ميزانيتها المخصصة للتعليم، وتزيد من الدعم المالي للمدارس.
الدعوة الملحة هي ضرورة عودة الطلاب إلى الفصول الدراسية، والابتعاد عن الاعتماد على الدروس الخصوصية. هناك حاجة ماسة لتحسين المناهج الدراسية وضمان تسليم الكتب في المواعيد المحددة، فالتأخير في تسليم الكتب يؤدي إلى فوضى في العملية التعليمية.
المدارس ليست مجرد أماكن للتعليم، بل هي مراكز للتفاعل الاجتماعي والنمو الشخصي. من الضروري استعادة الثقة في النظام التعليمي، والعمل على بناء جيل واعٍ ومتعلم. المجتمع ككل يحتاج إلى أن يتحرك نحو إعادة هيكلة التعليم وتطوير المناهج بما يتناسب مع احتياجات العصر.
هناك حالة من الاستياء بين أولياء الأمور بسبب غياب الرقابة على أسعار الكتب والدروس. يُطالبون الحكومة بالتدخل لحماية حقوقهم، ومواجهة جشع التجار. بالإضافة إلى ذلك، يتوجب على الجهات المعنية القيام بدورها في تنظيم العملية التعليمية ووضع ضوابط صارمة للدروس الخصوصية.
بدون وجود حلول واضحة، سيستمر الوضع على ما هو عليه، حيث ستظل أزمة التعليم تتفاقم، والأسر المصرية تعاني من تداعيات غياب الدور الحكومي. تُعتبر هذه القضية من القضايا الشائكة التي تحتاج إلى اهتمام عاجل، فمستقبل الأجيال القادمة في خطر.
وإن التعليم هو أساس بناء المجتمعات، ولا يمكن تركه فريسة للفساد والاحتكار. المسؤولية تقع على عاتق الجميع، من حكومة وأولياء أمور ومعلمين، لتحسين النظام التعليمي وخلق بيئة تعليمية مناسبة لجميع الطلاب.