تتزايد الأزمات التي تواجه العملية التعليمية في مصر يوما بعد يوم حيث يبرز قرار وزير التربية والتعليم الفنى محمد عبداللطيف كواحد من تلك الأزمات التي لا يمكن تجاهلها على الإطلاق.
يتمثل هذا القرار في تحويل المدارس إلى مراكز للدروس الخصوصية المقننة مما يثير العديد من التساؤلات حول نوايا الحكومة الحقيقية. يبدو أن الهدف من هذا القرار هو محاربة الدروس الخصوصية لكن الواقع يؤكد أن الأمور تتجه نحو الأسوأ.
في محاولة لتقديم ما يسمى بمجموعات التقوية والدعم التعليمى، أصدر الوزير قرارا ينص على تحديد أسعار الحصص بحيث لا تزيد عن مئة جنيه. ورغم أنه يبدو بديلاً مناسباً للدروس الخصوصية، إلا أن الحقيقة المرة تكشف أن هذه الأسعار أعلى بكثير من معظم أسعار «السناتر» في المناطق الشعبية.
تؤكد إيرين سعيد عضو لجنة الصحة بمجلس النواب أن الأسعار التي حددتها الوزارة تتجاوز قدرات الكثير من أولياء الأمور. فمن يملك 400 جنيه شهريا لمادة واحدة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة؟ هذا سؤال يُطرح بوضوح دون أي إجابة مقنعة من الحكومة. حيث تُظهر الأرقام أن معظم أولياء الأمور لا يستطيعون تحمل هذه الأعباء.
كما تتساءل سعيد عن موقف الحكومة من منصة “مدرستي” التي كانت توفر دروساً مجانية عبر الإنترنت. هذا التساؤل يبرز تناقضات السياسات الحكومية. كيف يمكن أن تتحدث الوزارة عن الدعم في وقت تقوم فيه بتقنين الدروس الخصوصية تحت مظلة رسمية؟ هل يُعتبر هذا خطوة للأمام أم للخلف؟ الأكيد أن هذه التساؤلات لا تجد إجابات شافية.
تشير جهاد محمود أستاذ مناهج وطرق تدريس اللغة العربية إلى أن هذه المجموعات كان من المفترض أن تكون حلا لمواجهة الدروس الخصوصية. ولكن السعر المحدد للحصة الواحدة جاء ليعكس انعدام الفائدة. كيف يمكن للوزارة أن تحول المدارس إلى بؤر تجارية، بدلاً من أن تكون مراكز تعليمية حقيقية؟ القرار جاء في وقت يعاني فيه الكثير من أولياء الأمور من ارتفاع تكاليف التعليم.
تصريحات محمود توضح أن عدم إلزامية المشاركة في مجموعات التقوية قد يكون إيجابياً، ولكن الخطر يكمن في إمكانية ربط نجاح الطلاب بالمشاركة. في تلك الحالة، ستكون هذه المجموعات بمثابة حبل مشنقة لأولياء الأمور الذين يعانون من الضغوط المالية. أعباء إضافية ستزيد الأمور تعقيداً بدلاً من حلها.
وفي السياق ذاته، تبرز داليا الحزاوى مؤسس ائتلاف أولياء أمور مصر، فكرة أن مجموعات الدعم المدرسية قد تسهم في تقديم خدمة تعليمية أفضل. لكنها تشير أيضاً إلى ضرورة أن تتناسب أسعار الحصص مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية للطلاب. لا يمكن أن يكون هناك نجاح في تحسين التعليم إذا كانت الأعباء المالية على أولياء الأمور تتزايد.
تعبر منى أبو غالى عن استيائها من قرارات الحكومة، قائلة إن أسعار مجموعات التقوية مرتفعة، مما يدفع أولياء الأمور إلى البحث عن خيارات أرخص في «السناتر». ماذا يمكن أن يتوقع أولياء الأمور من قرارات غير مدروسة؟ يبدو أن التوجه نحو “السناتر” بات حتمياً.
من المؤسف أن تتحول المدارس، التي كانت يوماً ما مراكز للمعرفة والتربية، إلى مراكز للدروس الخصوصية. يتساءل الجميع عن كيفية استعادة دور المدرسة في التعليم. فالتعليم يجب أن يكون حقاً لكل طالب وليس سلعة تُباع وتشترى وفقاً للأسعار التي تحددها الحكومة.
الواقع يشير بوضوح إلى أن القرارات الحكومية تأتي في كثير من الأحيان دون دراسة أو تخطيط كافٍ. تظهر الأرقام أن الزيادة في أسعار الحصص لن تؤدي إلى أي تحسن فعلي في جودة التعليم. بل على العكس، ستؤدي إلى تفاقم الأزمات الحالية في نظام التعليم المصري.
المجتمع المصري يواجه تحديات كبيرة في مجالات متعددة، وتأتي أزمة التعليم كواحدة من أبرز هذه التحديات. إن عدم استجابة الحكومة لمطالب أولياء الأمور وتعاملها مع التعليم كمنتج تجاري بدلاً من كونه خدمة اجتماعية يُعتبر كارثة. لا بد من إحداث تغييرات جذرية تتماشى مع تطلعات الشعب.
تسعى الحكومة المصرية جاهدة إلى تحقيق أهداف تنموية، لكن في مجال التعليم يبدو أن الأمور تسير في الاتجاه المعاكس. إن تحقيق جودة التعليم يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وقرارات مدروسة تستند إلى الاحتياجات الفعلية للطلاب وأولياء الأمور. إن ما يحدث الآن يتطلب وقفة جادة من جميع المعنيين.
نأمل أن يتمكن المسؤولون من إعادة النظر في سياساتهم وأن يتوجهوا نحو تحقيق تحسين فعلي في نظام التعليم. يجب أن يكون التعليم حقًا للجميع وليس عبئًا يثقل كاهل الأسر. إن استجابة الحكومة لهذه المطالب ستكون العامل الأساسي في استعادة الثقة بين الوزارة وأولياء الأمور.
إن المطلوب الآن هو الحوار الحقيقي والتعاون بين الحكومة والمجتمع المدني لتقديم حلول فعالة. فالتعليم ليس مجرد منتج اقتصادي، بل هو استثمار في مستقبل البلاد وأجيالها. فهل ستستجيب الحكومة لصوت الشعب وتحقق ما يتطلع إليه أولياء الأمور والطلاب؟ السؤال يبقى بلا إجابة.