تقاريرمصر

صرخات المرضى في طوابير الموت: دواء مفقود وحياة معلقة

تحت أشعة الشمس الحارقة وعلى أرصفة وسط البلد، تتجسد مأساة يومية لملايين المرضى الباحثين عن جرعة علاج قد تنقذ حياتهم يتكدسون في طوابير طويلة أمام صيدلية الإسعاف التي تحولت من مجرد نقطة توزيع أدوية طارئة إلى ساحة معركة يومية.

المرضى ينتظرون لساعات بحثاً عن الأنسولين وأدوية القلب والضغط والأورام والجلطات، وهي أبرز النواقص التي أصبحت شبحاً يطارد كل مريض في مصر.

مع كل صباح جديد يتوافد مئات المرضى من مختلف المحافظات إلى صيدلية الإسعاف على أمل الحصول على الدواء المفقود وبين هذه الجموع تقف امرأة تبكي قدماً من الشرقية كل يوم بحثاً عن علاج لمرض الأورام.

فهي تقف ساعات تحت أشعة الشمس وتنتظر بلا أمل وكلما تقدمت خطوة في الطابور تجد نفسها أقرب لليأس من الحصول على العلاج. هؤلاء المرضى ليسوا وحدهم في معاناتهم، بل يعيشون أزمة مزمنة مع نقص الأدوية الحاد الذي يعصف بالنظام الصحي في مصر.

المشهد أمام صيدلية الإسعاف يعبر عن حالة من الفوضى الصحية التي تعيشها البلاد، فمع ارتفاع أسعار الأدوية بنسبة تجاوزت 100% في السوق السوداء، تزداد الأزمة سوءًا في ظل غياب شبه تام للمسؤولين عن توفير الحلول والبدائل.

على الرغم من قفزة الأسعار، تظل النواقص الطبية هي التحدي الأكبر. وأمام هذه الحالة، يجد المرضى أنفسهم مجبرين على الانتظار لساعات طويلة دون ضمان الحصول على علاجهم الضروري.

السوق السوداء باتت الوجه الآخر للأزمة، إذ يجد المرضى أنفسهم محاصرين بين جشع التجار وغياب الرقابة الحكومية. الأسعار في السوق السوداء تجاوزت 400% من الأسعار الرسمية، ما يدفع البعض إلى بيع ممتلكاتهم أو الاقتراض في سبيل شراء دواء قد لا يكون فعالًا.

فالأدوية التي يتعذر العثور عليها في الصيدليات أصبحت سلعة نادرة يحتكرها التجار ويبيعونها بأسعار خيالية، غير مبالين بمعاناة المرضى.

مع كل يوم يمر دون دواء، تتفاقم الأوضاع النفسية والجسدية للمرضى. فالانتظار الطويل ينهك الجسد ويزيد من توتر الأعصاب والقلق. في طوابير لا تنتهي، يقف المرضى لساعات في حالة من الخوف والترقب، متسائلين عما إذا كان الدواء سيتوفر أم لا.

هؤلاء المرضى لا يواجهون المرض فقط، بل يصارعون نظامًا صحيًا يبدو عاجزًا عن تلبية أبسط احتياجاتهم. وما يزيد من معاناتهم هو غياب الاستجابة الحكومية السريعة لهذه الأزمة التي تعصف بأرواح الملايين.

بعض المرضى يسافرون لمسافات طويلة بحثًا عن الأدوية المفقودة. أحدهم أب لطفلين يعاني من مرض السرطان، يأتي كل يوم من محافظته البعيدة إلى القاهرة بحثًا عن علاج لأورامه السرطانية.

لكنه في أغلب الأيام يعود إلى منزله بخيبة أمل ودون أن يحصل على أي دواء، ما يزيد من مرارته وخوفه على مستقبله ومستقبل عائلته. يشعر وكأن حياته معلقة بحبات دواء لا يستطيع الوصول إليها، ويرى في عيون أطفاله السؤال الذي لا يجد له إجابة.

الأزمة لم تعد تقتصر على نقص الدواء فقط، بل تجاوزتها إلى آثار نفسية وجسدية عميقة. المرضى يشعرون بمرارة الفشل الصحي الذي يحيط بهم من كل جانب.

فالنظام الصحي في مصر يبدو وكأنه فقد صلته بالواقع الذي يعيشه هؤلاء المرضى، ومع كل يوم يمر دون حلول فعالة، تتساقط آمالهم كأوراق الشجر في فصل الخريف. ومع كل طابور طويل أمام صيدلية الإسعاف، تصعد صرخات الاستغاثة من أعماق القلوب دون أن تجد من يسمعها.

المشهد لا يقتصر فقط على المرضى أمام صيدلية الإسعاف، بل يمتد إلى صيدليات مصر بالكامل. امرأة من الجيزة تحكي معاناتها في البحث عن علاج لتنشيط عضلة قلب ابنتها الصغيرة.

تجولت بين صيدليات المحافظة دون جدوى، وعندما توجهت إلى صيدلية الإسعاف، كانت المفاجأة في عدم توافر الدواء هناك أيضًا. هذا الدواء الذي يعتبر الوحيد لتحسين حالة طفلتها الصحية أصبح مفقودًا، ما يزيد من قلقها وتوترها يوماً بعد يوم.

في ظل هذا النقص المتزايد في الأدوية، تظهر السوق السوداء كمعركة غير معلنة بين المرضى الذين يعانون وتجّار الأدوية الذين يستغلون الأزمة لصالحهم. المرضى يُجبرون على دفع أموال طائلة مقابل أدوية قد تكون منتهية الصلاحية أو غير فعالة، ما يجعل حياتهم أشبه بجحيم يومي.

أحد المرضى، الذي يعاني من مرض كلوى مزمن، اضطر للجوء إلى السوق السوداء بعد أن فشل في الحصول على دوائه من الصيدليات، فدفع مبالغ ضخمة لشراء دواء أساسي لكنه كان مرغمًا على الاختيار بين الألم أو دفع الأضعاف.

القصة لا تنتهي هنا، فقد جاء رجل من الصعيد الجواني بحثاً عن علاج للسرطان لكنه وجد نفسه في مواجهة مع تجار السوق السوداء الذين استغلوا حاجته الملحة فرفعوا الأسعار بشكل مبالغ فيه. اضطر الرجل إلى بيع ممتلكاته من أجل شراء الأدوية التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من معركته مع المرض.

ومع كل مرة يشتري فيها دواء من السوق السوداء، يشعر بالإحباط لكونه غير متأكد من جودته، ولكنه يضطر للقبول بالواقع المؤلم الذي يعيشه.

أحد المرضى يعاني من عدة أمراض مزمنة، يروي كيف أن النقص الحاد في الأدوية اضطره للشراء من السوق السوداء بأسعار خيالية، ومع كل مرة يشعر وكأن حياته باتت رهينة لجشع التجار.

يتحدث بحرقة عن المعاناة التي يعيشها يوميًا في البحث عن دواء يمكن أن ينقذه من أوجاعه، لكنه لا يجد أمامه سوى تجار لا يبالون سوى بجني الأرباح. هذا الجشع يترك أثراً نفسياً وجسدياً على المرضى الذين يجدون أنفسهم محاصرين في دائرة مغلقة من الألم والقلق دون أن يكون لديهم خيار آخر.

والأزمة التي تعيشها مصر بسبب نقص الأدوية ليست مجرد مشكلة صحية عابرة، بل هي كارثة إنسانية تهدد أرواح الملايين. المرضى يعانون في صمت، ويواجهون كل يوم تحدياً جديداً في سبيل الحصول على دواء قد يكون هو الفارق بين الحياة والموت.

ومع غياب الاستجابة الحكومية الفعالة، تتصاعد صرخات الاستغاثة من كل صوب، مطالبة بتحرك فوري من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى