تقاريرمصر

حكومة الفساد تُهدم التاريخ: قبة حليم باشا ضحية الإهمال المروع

في مشهد يعكس الانحدار الأخلاقي والسياسي للحكومة المصرية واصلت السلطات في محافظة القاهرة مسيرتها المقلقة من خلال إطلاق حملة جديدة لهدم المعالم الأثرية والتاريخية في منطقة الإمام الشافعي،

حيث تم اليوم تنفيذ عملية هدم مروعة لقبة مستولدة محمد علي باشا، التي تعد جزءا لا يتجزأ من التراث الثقافي المصري العريق، وتمثل قيمة معمارية وتاريخية لا تقدر بثمن.

ما يحدث الآن ليس مجرد عملية هدم، بل هو اعتداء صارخ على الهوية الوطنية، فهل يمكن تصديق أن الأمر وصل إلى هذا الحد؟

القبة التي تم هدمها ليست مجرد بناء قديم، بل هي تجسيد لحقبة تاريخية عريقة في تاريخ مصر، ترتبط ارتباطا وثيقا بأسرة محمد علي باشا التي حكمت البلاد لعقود طويلة.

ما حدث هو نتيجة مباشرة لإهمال الحكومة وفسادها، حيث تتعمد السلطات المسؤولة تجاهل القيم الثقافية والتاريخية لهذه المعالم، مما يجعلها تسير في طريق مظلم يهدد التراث المصري.

فالأحداث الأخيرة تكشف لنا بوضوح كيف أن السلطة الحاكمة تنظر إلى التاريخ على أنه مجرد عائق في سبيل تحقيق مشاريعها القومية.

يبدو أن هذه السياسة ليست جديدة، فقد شهد شهر أغسطس الماضي جدلاً واسعًا بعد هدم عدد من المقابر في منطقة باب النصر، حيث صرح نائب محافظ القاهرة بأن 1171 مقبرة تم إخلاؤها لتسهيل إنشاء جراج متعدد الطوابق.

وهذه التصريحات تظهر بوضوح كيف أن الحكومة تتخذ من الاحتياجات العمرانية ذريعة لتمرير قرارات هدم قاسية تعصف بتراث البلد. كيف يمكن تبرير مثل هذا الإجراء في بلد يفتخر بتراثه العريق؟

وفي السياق نفسه، في يونيو من العام 2023، صدرت تعليمات من رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بتشكيل لجنة لتقييم وضع المقابر في منطقتي السيدة نفيسة والإمام الشافعي، بهدف إنشاء ما يعرف بمقبرة الخالدين لتكون مزارًا يضم رفات الرموز المصرية المختلفة.

ولكن ما يحدث على أرض الواقع يثير تساؤلات كثيرة حول نوايا الحكومة. فبدلاً من الحفاظ على التراث التاريخي، يتم التخلص منه بأسلوب غير مسؤول. إذ أن المنطقة التي تمثل رموزًا مهمة في التاريخ المصري باتت مهددة بالزوال، وذلك بسبب المشاريع القومية التي لا تأخذ بعين الاعتبار قيمة هذه المعالم.

رغم تسجيل أكثر من 40 مقبرة في المنطقة ضمن قائمة التراث، إلا أن الحكومة قامت بتشكيل لجنة لهدم بعض المدافن المحمية قانونيا.

تم إبلاغ الجهات المعنية بضرورة إزالة هذه المدافن بحجة الحاجة إلى تنفيذ مشاريع قومية، مما يعكس استخفافاً صارخاً بالقوانين واللوائح التي تحمي التراث الثقافي.

لقد تفاقمت أزمة هدم المقابر التاريخية منذ عام 2021، عندما أعلنت الحكومة عن خطط لتطوير محور صلاح سالم، مما أدى إلى إزالة مدافن مجاورة.

الحكومة تسعى حاليًا لإنشاء محاور مرورية جديدة تربط شرق وجنوب القاهرة عبر هذه الجبانات التاريخية، مما يجعلنا نتساءل: هل أصبح التراث الوطني ثمنًا لدعم مشاريع البنية التحتية؟

من الواضح أن الفساد المتفشي في مؤسسات الدولة وغياب الإرادة السياسية اللازمة للحفاظ على التراث الثقافي يضع البلاد في موقف محرج. الشعب المصري يعاني من جراء هذه السياسات القاسية، والتي تسلبهم هويتهم وتاريخهم.

لقد حان الوقت ليتوقف هذا العبث المتمثل في تدمير المعالم الأثرية، وعلينا أن نواجه الحقيقة المرة: نحن نعيش في عصر يُستهان فيه بقيم الثقافة والتاريخ.

تاريخ مصر ليس مجرد أرقام ومناسبات، بل هو هوية حية تنبض في قلوب المصريين، يتجلى في كل زوايا البلاد. ولكن مع استمرار الهدم، نحن نقترب أكثر من فقدان هذا التراث للأبد.

كيف يمكن للحكومة أن تبرر هدم قبة تاريخية تعتبر شاهدة على عظمة مصر؟ أين هي الأصوات التي يجب أن تدافع عن تاريخنا وتراثنا؟

الأسئلة تتزايد، والأجوبة لا تأتي. ونحن نشاهد هذه المهزلة، يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا. كيف يمكن لمجتمع أن يظل صامتاً بينما يُدمر جزء من تاريخه بهذه السهولة؟ هذه ليست مجرد قبة أو مجموعة من المقابر، بل هي رمز لهوية وطنية كاملة. كيف لنا أن نتصور مستقبلاً زاهراً ونحن نرى هذه الهجمات المستمرة على تراثنا؟

التاريخ لن يسامحنا على تلك التضحيات البشعة التي تُقدم تحت ذريعة التطوير. إن التراث الثقافي هو شريان الحياة لأي أمة، وعندما نسمح بتدميره، فإننا نشهد بداية النهاية لوجودنا كأمة لها تاريخها وهويتها.

في النهاية، علينا أن نتحد كمواطنين للدفاع عن تراثنا، فنحن الحماة الحقيقيون للثقافة والتاريخ. إن استمرار هذه الممارسات من قبل الحكومة سيؤدي إلى فقدان الثقة في قدرتها على إدارة الأمور بشكل مسؤول. فهل نحن مستعدون لمواجهة هذه الحقيقة والتضحية من أجل الحفاظ على هويتنا الوطنية؟

يجب أن نستفيق من سباتنا ونواجه هذه السياسات الجائرة بشجاعة. إن الفساد والتقاعس الحكومي لن يؤدي إلا إلى المزيد من الانحدار، وعلينا أن نكون الصوت الذي يدعو إلى ضرورة الحفاظ على تراثنا. لن نقبل أن يصبح تراثنا مجرد ذكرى، فمصر تستحق أكثر من ذلك بكثير.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى