في مشهد ينذر بكارثة اقتصادية محققة لا يمكن تجاهلها يتوالى سقوط مصر في فخ الديون الخارجية بمعدلات تنذر بالخطر.
مع ارتفاع الدين الخارجي إلى مستويات غير مسبوقة تراوحت حول 170 مليار دولار في نهاية 2023، يقف الشعب المصري أمام حقيقة مرعبة تتمثل في أن متوسط نصيب الفرد من الدين الخارجي بلغ 1444 دولارا، مسجلا ارتفاعا ملحوظا من 1013 دولارا في نهاية 2019.
هذه الأرقام تنقل صورة واضحة عن تراجع الوضع المالي للبلاد حيث ارتفع الدين الخارجي بنسبة 74% تقريبا خلال السنوات الأربع الأخيرة.
يتعلق الأمر بسلسلة من الديون القابلة للسداد والتي تتراكم بشكل ينذر بكارثة إذا استمر هذا الاتجاه. في سياق الوضع الكارثي، تكشف البيانات عن أن إجمالي الدين الخارجي في نهاية 2023 اقترب من 168 مليار دولار، منها حوالي 29.5 مليار دولار مديونيات قصيرة الأجل بينما تتوزع باقي الديون على المديونيات طويلة الأجل.
الأرقام تتحدث عن نفسها وتبين أن الدين الخارجي ارتفع من 96.6 مليار دولار في نهاية عام 2019 إلى الوضع الحالي دون أي بارقة أمل.
الحكومة المصرية تجد نفسها الآن أمام مأزق حقيقي حيث أنها مضطرة إلى سداد أكثر من 60 مليار دولار من الاستحقاقات الخارجية بين عامي 2025 و2027.
ومع عدم وجود أي قروض جديدة تلوح في الأفق، يبدو أن الحكومة المصرية تستعد لتسديد آخر دفعة من الديون المتوسطة والطويلة الأجل في النصف الثاني من عام 2071. المدى الزمني الطويل لسداد الديون ينبه الجميع إلى انعدام الأمل في الإصلاحات الفعلية.
وفي هذا الإطار، اتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي على زيادة حجم التمويلات ضمن برنامج يمتد حتى 2026. كانت تلك الزيادة من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار في محاولة لتخفيف العبء الثقيل. وقد حصلت مصر بالفعل في مارس الماضي على 820 مليون دولار كدفعة أولى، ومرتقب صرف شريحة جديدة بنفس القيمة. ومع ذلك، لا يمكن اعتبار هذه المبالغ كافية لمواجهة العجز المزمن والديون المتراكمة.
علاوة على ذلك، أعلنت الحكومة المصرية عن دعم موازنتها من البنك الدولي بمبلغ 700 مليون دولار ضمن برنامج مدته ثلاث سنوات. هذه الأرقام تكشف بوضوح عن حجم الضغوط المالية التي تواجهها الحكومة. ومع تقديم الاتحاد الأوروبي لتمويلات تقدر بحوالي 7.4 مليار يورو على مدار أربع سنوات، يبدو أن أي دعم خارجي لم يعد كافياً لإعادة الحياة إلى الاقتصاد المصري المتهالك.
تظهر الأرقام من بيانات البنك المركزي أن الدين العام المحلي يمثل نحو 77.1% من الناتج المحلي الإجمالي البالغ 4.4 تريليون جنيه. ما يؤكد تفشي أزمة الدين حتى داخل الاقتصاد المحلي. وتتمثل المخاطر الكبرى في أن خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة لن يكون له تأثير ملموس على الاقتصاد المصري الذي يعاني من أعباء الديون المتزايدة.
في الربع الأول من عام 2024، سددت مصر 8.255 مليار دولار كأعباء خدمة الدين الخارجي، منها 2.542 مليار دولار كفوائد و5.712 مليار دولار كأقساط مسددة. الأرقام تشير بوضوح إلى الأزمة المتعاظمة التي يعاني منها الاقتصاد المصري. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: أين تذهب هذه الأموال؟
مع انخفاض الدين الخارجي إلى 160.6 مليار دولار بنهاية مارس 2024، تبقى النسبة المئوية للدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي عند 39.8%، وهو رقم يعد مرتفعا ويعكس الأبعاد الكارثية للموقف الاقتصادي. في ظل هذه الأرقام الكارثية، تظل الحكومة تعيد ترتيب أولوياتها المالية في محاولة يائسة لتخفيف الأعباء.
إن وضع الدين الخارجي والديون المحلية مع استمرار التراجع في النمو الاقتصادي يكشف عن مشهد معقد وحالة عدم استقرار مروعة. بينما تتجه الأنظار نحو الحكومة المصرية للبحث عن حلول سريعة، يبدو أن الأمل في تحسن الوضع بعيد المنال. وسط كل هذا، يستمر المواطنون في مواجهة تحديات الحياة اليومية وسط الفقر والبطالة المتزايدة، في حين تتلاشى الوعود الحكومية بالإصلاحات.
بالتزامن مع تلك الأزمة، تنتظر مصر سنوات صعبة في المستقبل، حيث يتوقع أن تتزايد الأعباء المالية مع تزايد الديون. المستقبل يبدو مظلماً، حيث تسعى الحكومة للبحث عن قروض جديدة لإبقاء الأمور تحت السيطرة. لكن متى ستأتي هذه القروض ومن أي مصدر؟ أسئلة تبقى معلقة في الهواء دون إجابات واضحة.
في النهاية، يبدو أن مشهد الديون الخارجية المتزايدة يمثل معركة مستمرة لمصر في وجه الأزمات الاقتصادية. وبدون إجراءات حقيقية للتخفيف من الأعباء، فإن الكارثة الاقتصادية قد تصبح واقعا يواجهه المواطنون في القريب العاجل. الشعب المصري يستحق أكثر من ذلك، يحتاج إلى حكومات تعمل بجدية وكفاءة لمواجهة هذه الأزمة.
من المؤكد أن الأرقام التي عرضناها هي مجرد لمحة عن معاناة المصريين، وعلى الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها بدلاً من الاستمرار في إلقاء اللوم على الظروف الخارجية. فقد آن الأوان لتتحمل القيادة السياسية تبعات قراراتها وتبدأ في إجراءات حقيقية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان.