في تحول دراماتيكي لمشهد التعليم في مصر أعلن وزير التربية والتعليم محمد عبداللطيف انتهاء مشكلة الكثافة في الفصول حيث أشار إلى أن العدد لم يعد يتجاوز الخمسين تلميذاً في مدارس الوزارة على مستوى الجمهورية
وقال عبداللطيف في تصريحاته أمام البرلمان إن الوزارة قد أقدمت على استحداث نحو ثمانية وتسعين ألف فصل جديد من خلال تطبيق نظام الفترتين بدلاً من اليوم الواحد وزيادة الفترة الزمنية الفعلية للتدريس من ثلاثة وعشرين إلى واحد وثلاثين أسبوعاً خلال العام الدراسي مما يثير التساؤلات حول جدوى هذه الخطوات
وفي إطار حديثه أشار الوزير إلى جهود الوزارة في سد عجز المعلمين الذي وصل إلى أكثر من تسعين بالمئة في جميع مدارس الجمهورية مؤكداً أنه لا يوجد فصل يخلو من معلم لمادة أساسية وهذا يعكس واقعاً محزناً من الفوضى التي لطالما عانت منها المؤسسات التعليمية في البلاد
كما أوضح الوزير أنه تم تدبير المخصصات المالية اللازمة لتشغيل خمسين ألف معلم بالحصة في المواد الأساسية حيث حدد مبلغ خمسين جنيهاً أي دولاراً واحداً تقريباً مقابل الحصة وهذه النسبة تطرح علامة استفهام حول كيفية تحقيق الجودة التعليمية التي تطمح لها الوزارة
وبالإضافة إلى ذلك اعتمدت الوزارة على الاستعانة بالخريجين المكلفين بأداء الخدمة العامة للعمل في المدارس مما يعكس نقصاً حاداً في الكوادر التعليمية المدربة ويثير تساؤلات حول مستوى التعليم المقدم للطلاب
وعن إعادة تعيين العاملين بالوزارة من الحاصلين على مؤهل عال تربوي أثناء الخدمة فإن هذا القرار يأتي كحل مؤقت لمشكلة حقيقية تحتاج إلى معالجة جذرية فالتعليم لا يحتاج فقط إلى معلمين بل يحتاج إلى معلمين مؤهلين على أعلى مستوى
أما فيما يتعلق بتوزيع الدرجات الجديد فقد ذكر الوزير أن النظام الجديد يهدف إلى زيادة نسب الحضور في مدارس الوزارة إلى نحو خمسة وثمانين بالمئة وهذا يبدو كحل سطحي لمشكلة قائمة تحتاج إلى حلول أكثر عمقاً واستدامة
فالنظام يتضمن توزيع درجات امتحان الفصل الدراسي الواحد بنسبة ثلاثين بالمئة على أعمال السنة إضافة إلى خمس عشرة بالمئة على الاختبار الشهري الأول وخمس عشرة بالمئة أخرى على الاختبار الشهري الثاني وبهذا يتضح أن التركيز على الحضور دون الجودة لن يحل مشاكل التعليم
هذا بالإضافة إلى تخصيص عشرة بالمئة على كراس الواجب وعشرين بالمئة على الاختبارات الأسبوعية ليصبح الإجمالي مئة بالمئة فهل يعكس هذا النظام فعلاً مستوى التحصيل الدراسي للطلاب أم أنه مجرد محاولة لتحسين الأرقام في التقارير الرسمية
وعلى صعيد آخر فإن رئيس مجلس النواب حنفي جبالي لم يمنح أعضاء المجلس الفرصة لمناقشة بيان وزير التربية والتعليم مكتفياً بإحالته إلى لجنة التعليم في البرلمان وهذا يعكس تقاعساً ملحوظاً عن معالجة قضايا التعليم الحيوية التي تمس مستقبل الوطن
وطلب جبالي عقد اجتماع للجنة لمناقشة البيان في أقرب وقت ممكن في حضور الوزير ومن يرغب من النواب سواء من أعضاء اللجنة أو من غيرهم ولكن السؤال يبقى هل ستتغير الأمور فعلاً بعد هذه الاجتماعات أم ستظل الأوضاع على حالها
وبينما يتحدث الوزير عن إنجازات تتمثل في زيادة عدد الفصول وسد عجز المعلمين إلا أن الحقيقة تكمن في معاناة الطلاب وأولياء الأمور مع النظام التعليمي الذي لم يرتق بعد إلى المستوى المطلوب
فمستقبل التعليم في مصر بات مهدداً بواقع معقد من التحديات حيث تحتاج الوزارة إلى استراتيجيات حقيقية بدلاً من حلول مؤقتة تبرز في شكل أرقام وإحصائيات تتجاهل الأبعاد الحقيقية للأزمة
ومع استمرار الوضع على ما هو عليه فإن الغالبية العظمى من الطلاب في مصر ستظل تعاني من تدني مستوى التعليم وعدم توفر بيئة تعليمية مناسبة تعزز من إمكانياتهم وتؤهلهم لمواجهة تحديات الحياة
إن استمرارية الفوضى في نظام التعليم في البلاد تشكل خطراً حقيقياً على مستقبل الأجيال القادمة ويجب على جميع الأطراف المعنية العمل بجدية لإحداث تغيير جذري يقضي على الأزمات المتكررة
فبينما يتم استعراض الحلول السطحية لا بد من إعادة النظر في المنظومة التعليمية برمتها من حيث المناهج وأسلوب التدريس وتدريب المعلمين وضمان جودة التعليم ككل
فإن الحديث عن انتهاء مشكلة الكثافة ليس إلا وعوداً قد لا تتحقق على أرض الواقع ما لم يكن هناك التزام حقيقي من الحكومة بحل جذري لمشاكل التعليم العديدة
وإذا استمر الوضع الراهن فإن التعليم في مصر سيبقى رهين التحديات والمشكلات التي لا تنتهي بينما يبقى الطلاب هم الضحايا الحقيقيون في ظل تلك الظروف الصعبة والمقلقة
إن الجهود المبذولة حتى الآن قد تبدو إيجابية على الورق لكنها لا تعكس الواقع الأليم الذي يعاني منه النظام التعليمي حيث يبقى الأمل معلقاً على خطوات أكثر جدية وفعالية في المستقبل القريب