يعيش المواطن المصري اليوم في متاهة معقدة، إذ تضيق به السبل من كل جانب.
فمن ناحية، يواجه ضغوطًا اقتصادية هائلة تدفعه نحو البحث عن أي مخرج للبقاء، ومن ناحية أخرى، يجد نفسه محاطًا بمنظومة قانونية وأمنية تضيق الخناق على أبسط حقوقه وحرياته.
في الجانب الاقتصادي، يجد المواطن نفسه أمام معضلة يومية.
فارتفاع الأسعار الجنوني وتآكل القيمة الشرائية للجنيه يدفعان الكثيرين للتعامل في السوق السوداء أو ممارسة أنشطة اقتصادية غير مرخصة.
وحين يلجأ للاقتراض، يجد نفسه في دوامة من الديون المتراكمة والشيكات المرتجعة التي قد تقوده إلى السجن.
أما في مجال الحريات العامة، فقد أصبح التعبير عن الرأي مغامرة محفوفة بالمخاطر.
فالتعليق على مواقع التواصل الاجتماعي، أو المشاركة في تجمعات سلمية، أو حتى مناقشة قضايا عامة في المقاهي، كلها قد تؤدي إلى المساءلة القانونية. وأصبحت التهم الفضفاضة مثل “نشر أخبار كاذبة” أو “إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي” أو قيم الأسرة المصرية سيفًا مسلطًا على رقاب المواطنين.
ويزداد الوضع تعقيدًا مع تشديد القيود على عمل منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية والعمالية. فحق التنظيم والتجمع السلمي، وهو حق دستوري أصيل، أصبح محاطًا بسياج من القيود والإجراءات البيروقراطية المعقدة.
وأصبح العمل النقابي المستقل شبه مستحيل، مما يحرم العمال من آلية قانونية للدفاع عن حقوقهم.
وفي ظل غياب الضمانات القضائية الكافية، وتوسع صلاحيات الأجهزة الأمنية، أصبح المواطن العادي عرضة للمساءلة والاحتجاز لأتفه الأسباب.
فحتى الشكوى من سوء الخدمات العامة أو انتقاد قرار حكومي قد يؤدي إلى توجيه اتهامات خطيرة.
وتمتد المشكلة إلى الحياة الأكاديمية والثقافية، إذ تتعرض حرية البحث العلمي والإبداع الفني لقيود متزايدة.
فالباحثون والأكاديميون يجدون أنفسهم مقيدين في اختيار مواضيع أبحاثهم، والفنانون والكتّاب يواجهون رقابة متشددة على أعمالهم.
هذا الواقع المأزوم يحتاج إلى معالجة شاملة تبدأ بإصلاح تشريعي عميق يضمن الحريات الأساسية ويحمي حقوق المواطنين.
كما يتطلب إصلاحًا اقتصاديًا حقيقيًا يوفر فرص عمل كريمة وبدائل قانونية للتعامل مع الأزمات المالية.
المطلوب الآن وليس غدًا؛ هو إعادة النظر في المنظومة القانونية والأمنية بشكل يحقق التوازن بين متطلبات الأمن وحقوق المواطنين.
فلا يمكن بناء مجتمع مستقر على أنقاض الحريات العامة، كما لا يمكن تحقيق تنمية حقيقية في ظل خوف المواطنين من التعبير عن آرائهم أو المطالبة بحقوقهم.
إن استمرار هذا النهج في التعامل مع المواطنين يهدد النسيج الاجتماعي ويقوض ثقة المواطن في مؤسسات الدولة.
فالحل يكمن في بناء دولة القانون والمؤسسات التي تحترم حقوق مواطنيها وتضمن حرياتهم الأساسية، مع توفير المناخ الاقتصادي والاجتماعي الذي يمكنهم من العيش بكرامة دون اللجوء إلى مخالفة القانون.
وفي النهاية، فإن المخرج من هذه الأزمة يتطلب إرادة سياسية حقيقية للإصلاح، وحوارًا مجتمعيًا شاملًا يشارك فيه كل أطياف المجتمع، للوصول إلى توافق يحمي حقوق المواطنين وحرياتهم، ويضمن استقرار المجتمع وتقدمه.
المصدر: بوابة “الحرية” الإليكترونية