في مشهد كارثي لا يمكن وصفه سوى بالمروع يتحول الأطفال في شمال غزة إلى هياكل عظمية أمام مرأى العالم الجوع القاتل يحكم قبضته على هذه المنطقة المنكوبة
حيث يصطف الأطفال في طوابير طويلة للحصول على كسرة خبز أو قطرة ماء يقتسمون القليل بين الأيدي الصغيرة الهزيلة في محاولات يائسة لتخفيف ألم الجوع الذي بات ينهش أجسادهم الضعيفة بينما آباؤهم عاجزون عن تقديم أي شيء لهم.
لا تنتهي المأساة عند حد الطوابير الطويلة للحصول على الطعام بل تتجاوزها إلى مشاهد أشد إيلامًا فهناك أطفال يقلبون أوعية الطعام بحثًا عن بقايا أرز متيبسة في قِدر بالكاد تحتوي شيئًا هذه المشاهد تمثل الوجه الحقيقي لمأساة سكان شمال غزة الذين يرزحون تحت وطأة حصار خانق فرضه الاحتلال الإسرائيلي منذ عدة أشهر دون أي بادرة أمل في حل قريب.
أصبح الجوع لغة يومية لا يفهمها سوى أطفال غزة الذين لا يزالون يقاومون من أجل البقاء وهم ينظرون بأعين غائرة ووجوه شاحبة إلى مستقبل مجهول تستغيث به الأمهات ولكن لا حياة لمن تنادي وتوثق عدسات المصورين هذه الكارثة الإنسانية التي تتفاقم يومًا بعد يوم في ظل صمت دولي مدقع وخذلان غير مبرر.
ومع انتشار الصور والمقاطع الصادمة من غزة التي تعكس حجم المأساة أطلق ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي حملة تضامنية تحت هاشتاغ “شمال غزة يموت جوعًا” ساعين من خلالها إلى تسليط الضوء على الكارثة التي يعيشها الأهالي في الشمال حيث تحول الجوع إلى واقع مرير لا يستطيعون الهروب منه وأصبح الشعار المتداول هو “الجوع يفتك بنا”.
التقارير الإعلامية المتداولة عن الوضع في شمال غزة أظهرت صورًا مفجعة من بينها صورة لطفل هزيل للغاية برزت عظامه وغارت عيناه نتيجة الجوع المستمر هذه الصورة التي نشرها مراسل الجزيرة أنس الشريف جاءت لتعبر عن حجم الكارثة حيث كتب الشريف تعليقًا مؤلمًا على الصورة قال فيه “الأطفال يموتون من الجوع هذا الطفل يجسد المعاناة بوجهها الحقيقي”.
لم تتوقف المأساة عند هذه الصورة فقط بل امتدت إلى مشاهد أخرى أكثر قسوة مثل شاب يبكي طفلته الصغيرة المهددة بالموت بسبب سوء التغذية والجوع القاتل الذي لا يرحم أحدًا نشرها الصحفي موسى سالم عبر حسابه الشخصي في فيديو يظهر مجموعة من الأطفال يمسحون بأيديهم الصغيرة بقايا الطعام في أوعية الطبخ محاولين التقاط ما تبقى من أرز في محاولة يائسة لسد رمقهم المتضور.
وفي مشهد آخر أكثر إيلامًا نشر الصحفي أسامة العشي تدوينة تعبر عن مدى القهر الذي يعيشه مع أسرته في ظل هذا الجوع القاتل الذي يخيم على المدينة كتب قائلا “أنا الصحفي أسامة العشي من غزة جعان كتير وعندي جنين في بطن زوجتي كمان جعان كتير وزوجتي خايفة كتير أهلي وصحابي وجيراني كلهم جعانين كتير” كلماته كانت بمثابة صرخة استغاثة في وجه العالم.
لم تكن صرخة أسامة الوحيدة بل انطلقت أصوات أخرى من سيدات غزة تحمل رسائل استغاثة للعالم تقول إحداهن “الجوع قتل الصغار والكبار يا عالم” كلماتها البسيطة عبرت عن واقع مؤلم لا يستطيع أحد إنكاره حيث يواجه سكان شمال غزة الموت البطيء بسبب الجوع الذي لا يميز بين كبير أو صغير بين امرأة أو رجل بين مسن أو طفل الكل يعاني.
المجاعات التي تضرب شمال غزة بسبب الحصار الإسرائيلي الخانق ليست مجرد حالة مؤقتة أو عابرة بل أصبحت واقعًا مستمرًا ومتصاعدًا ويومًا بعد يوم تزداد أعداد الوفيات بين الأطفال بسبب سوء التغذية وغياب الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية للعيش في منطقة تعيش تحت وطأة عدوان عسكري وحصار مستمر يفتك بكل مقومات الحياة الطبيعية.
الأوضاع في شمال غزة أصبحت تتطلب تدخلاً دوليًا عاجلاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه حيث إن معاناة الأهالي تجاوزت حدود الوصف ولا يمكن لأي تقرير أن ينقل حجم الكارثة الحقيقية التي يعيشها السكان في ظل نقص حاد في المواد الغذائية والطبية نتيجة الحصار المفروض عليهم من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء العدوان الأخير.
أطفال شمال غزة تحولوا إلى ضحايا لحرب لا ترحم ويفرض عليهم الموت ببطء تحت وطأة الجوع المستمر الذي ينخر في أجسادهم الهزيلة بينما العالم يقف موقف المتفرج دون أن يحرك ساكنًا الصور التي تنتشر على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تعكس جزءًا صغيرًا فقط من المأساة الكاملة التي تعيشها هذه المنطقة المحاصرة.
المقاطع المصورة التي توثق معاناة الأطفال والعائلات من شمال غزة هي شهادة دامغة على حجم الجريمة الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال بحق سكان المنطقة ورغم تداول هذه المقاطع والصور المروعة إلا أن الاستجابة الدولية لا تزال بعيدة كل البعد عن المطلوب في ظل غياب تام لأي دور فاعل يساهم في تخفيف حدة المعاناة التي يعيشها السكان المحاصرون.
يواصل الحصار الإسرائيلي خنق سكان شمال غزة يومًا بعد يوم ويستمر الجوع في قتل الأطفال والنساء والشيوخ دون تمييز ومنذ بداية العدوان الأخير ازدادت معاناة السكان بشكل لا يحتمل حيث يعانون من نقص شديد في جميع أساسيات الحياة سواء الغذاء أو الدواء أو حتى المياه الصالحة للشرب.
إن الحديث عن معاناة سكان شمال غزة في ظل الحصار الإسرائيلي هو حديث عن مأساة إنسانية غير مسبوقة في التاريخ الحديث حيث تحولت هذه المنطقة إلى مكان يعاني سكانه من الفقر المدقع والجوع الشديد في ظل غياب تام لأي مقومات حياة طبيعية.
في شمال غزة حيث لا طعام ولا ماء ولا أمل يواصل الأهالي صراعهم اليومي من أجل البقاء على قيد الحياة في ظل هذا الواقع المظلم الذي فرضه عليهم الاحتلال الإسرائيلي حيث يتساءل الجميع إلى متى سيستمر هذا الوضع الكارثي وهل ستتحرك الدول لإنقاذهم قبل فوات الأوان.
وفي خضم هذا الصمت العالمي المخزي تستمر مأساة شمال غزة في التفاقم يومًا بعد يوم حيث يموت الأطفال جوعًا وتستمر معاناة الأهالي الذين أصبحوا عاجزين عن تأمين قوت يومهم أو حتى الحفاظ على حياة أطفالهم الذين يواجهون الموت بسبب نقص الغذاء والرعاية الصحية.
أمام هذه الحقائق المؤلمة يظل العالم صامتًا أمام كارثة إنسانية لا يمكن السكوت عنها ويظل أطفال غزة هم الضحايا الحقيقيين لهذه الحصار الظالم الذي فرض عليهم الموت البطيء بينما لا يزال الأهالي يأملون في أن يتحرك المجتمع الدولي لإنهاء معاناتهم.
إن الأطفال في شمال غزة لا يحتاجون إلى كلمات تعاطف أو شعارات جوفاء بل يحتاجون إلى حلول حقيقية تنقذ حياتهم من الجوع والموت الذي بات يهددهم في كل لحظة.
في ظل هذا الوضع المأساوي لم يعد هناك أي خيار أمام العالم سوى التدخل لإنقاذ ما تبقى من أرواح في شمال غزة