تسود حالة من القلق والارتباك بين أبناء محافظة البحيرة بسبب التدهور الملموس في أداء حزب الوفد الذي كان يُعتبر أحد أبرز القوى السياسية في مصر على مر العقود الماضية ومع ذلك، يواجه الحزب الآن أزمة حقيقية تكشف عن واقع مؤلم يعكس الفساد وعدم الفاعلية في تنظيمه وأفكاره.
تجتمع الشكوك حول حزب الوفد في دمنهور، إذ يشعر الكثيرون من أبناء المحافظة بأن الحزب فقد بريقه وتأثيره، ويعزى ذلك إلى عدم اهتمام الحزب ببناء قاعدة شعبية قوية والاستفادة من التاريخ العريق له.
ما يحدث الآن في دمنهور يشيع انطباعاً عاماً بأن المدينة باتت محصورة في دوائر الإخوان، على الرغم من أن الأرقام تشير إلى أن نسبة السلفيين في مراكز البحيرة تفوق الإخوان بحوالي خمسة وستين في المائة.
لكن الغريب أن حزب الوفد لا يزال لديه دوائر انتخابية في المحافظة، إلا أن مشكلته الكبرى تكمن في عدم القدرة على الاستفادة من مكتسبات الماضي أو استقطاب العائلات الكبيرة التي تتمتع بوزن سياسي واجتماعي.
لقد بدأ تأثير حزب الوفد في البحيرة يضعف بشكل ملحوظ، حتى تلاشى بشكل شبه كامل في بعض المناطق. ففي دلنجات، مثلاً، يبدو أن الوضع يزداد سوءاً، حيث فقد الحزب الكثير من مؤيديه. وقد فقد أيضا عائلات وفدية مثل عائلات هيبة وحجاج والمغازي في كفر الدوار وعائلة القلتاوي في شبراخيت وعائلة أبو العنين في المحمدية وعائلة الشلقاني في آيتاي البارود وعائلة البنا في أبو حمص، ولا تزال الأصوات تنادي بأن الحزب لم يعد له وجود على الساحة السياسية بشكل فعّال.
عائلات مثل حرحش في وادي النظرون والصياد في أبوالمطامير لم تتلق الدعم اللازم، سواء من الناحية الإعلامية أو الخدمية، مما جعلها تفقد الأمل في إمكانية عودتها إلى الساحة السياسية.
هذا التراجع في شعبية حزب الوفد يعود بشكل رئيسي إلى عدم وجود خطة واضحة لتطوير القاعدة الجماهيرية، حيث يتوقف نشاط الحزب عند الأوقات الانتخابية ويتجه أعضاؤه إلى صراعاتهم الداخلية على مقاعد اللجنة العامة والعليا، مما يخلق شرخاً في القاعدة الشعبية في البحيرة.
ومن هنا يأتي النداء للأعضاء للاجتماع والتوصل إلى اتفاق حول تشكيل تكتل انتخابي من شأنه إعادة البحيرة إلى ما كانت عليه، حيث قدمت المحافظة العديد من الشخصيات البارزة مثل اللواء عبدالمنعم حسين وخيري قلج وعبدالفتاح حرحش وأشرف أبو العنين.
مما يزيد الطين بلة هو أن اللجنة العامة لحزب الوفد في البحيرة لم تجتمع منذ عهد المستشار بهاء أبو شقة، الرئيس السابق للحزب. الوضع الحالي، حيث يتولى رئاسة اللجنة شخصية تعتبر غير نشطة، وغير آمينة علي الحزب ولا تُظهر أي اهتمام بمشاكل الحزب في البحيرة، رغم وجود أربع أعضاء في الهيئة العليا واثنين نواب في البرلمان وهذه الحالة من التسيب الإداري تعكس عدم اكتراث حقيقي بمشاكل المواطنين وباحتياجاتهم، مما يزيد من تآكل الثقة في الحزب.
بالمجمل، حزب الوفد في محافظة البحيرة بحاجة ماسة إلى إعادة الهيكلة وبناء استراتيجيات جديدة لاستعادة ثقة الجماهير. إن الفساد الإداري والضعف التنظيمي هما عائقان كبيران أمام أي محاولة للتقدم، ويتطلب الأمر تصحيح المسار والتوجه نحو عمل جماعي حقيقي يهدف إلى خدمة المواطنين وإعادة بناء قاعدة شعبية قوية.
من الضروري أن يبدأ الحزب في استقطاب الشخصيات العامة ذات الثقل، وتفعيل المقرات الحزبية، وتجنيد الشباب النشط الذي بإمكانه إنعاش الحياة السياسية في المحافظة.
أمام هذه الصورة القاتمة، يتساءل الجميع: كيف وصل حزب الوفد في البحيرة إلى هذه الحالة من الفساد والانهيار؟
الإجابة ليست معقدة، فالإدارة الضعيفة والأزمات المستمرة في القيادة أسهمت بشكل كبير في هذه الفوضى. من الواضح أن حزب الوفد يحتاج إلى ثورة داخلية شاملة، تبدأ من إعادة تقييم السياسات الحالية وتقديم رؤى جديدة تتناسب مع تطلعات الشارع. يجب أن يكون هناك حوار صريح وشامل بين جميع الأعضاء والمناصرين لتجاوز هذه الأزمة والانطلاق نحو مستقبل أفضل.
ويبقى السؤال: هل سيستطيع حزب الوفد في محافظة البحيرة النهوض مجدداً أم أن السقوط في فخ الفساد والفشل هو قدره المحتوم؟ الجواب على هذا السؤال هو ما سيحدد مصير الحزب في الفترة القادمة ويحدد مدى استجابته لتحديات الواقع وتطلعات المواطنين.