مقالات ورأى

المعتصم الكيلاني يكتب: العقوبات الدولية كأداة قانونية لمساءلة إسرائيل عن انتهاكاتها في غزة ولبنان

على مدى العام الفائت، تصاعدت الدعوات لفرض عقوبات دولية على إسرائيل بسبب الانتهاكات المستمرة في غزة ولبنان.

ومع تزايد استخدام العقوبات كأداة للضغط السياسي والقانوني، يبرز تساؤل هام: هل يمكن للعقوبات الدولية أن تكون وسيلة فعالة لمساءلة إسرائيل؟

وما هي التحديات القانونية والسياسية التي تحول دون تطبيقها؟

في هذا المقال، سنستعرض العقوبات الدولية من خلال قرارات مجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، بالإضافة إلى استكشاف العقوبات الأحادية الجانب وآليات أخرى للضغط الدولي على إسرائيل.

كيف يمكن للعقوبات الدولية أن تُفرض على إسرائيل؟

العقوبات الدولية هي أداة تستخدمها الدول أو المنظمات الدولية للضغط على دولة معينة للتقيد بالقانون الدولي أو للحد من انتهاكات حقوق الإنسان.

هذه العقوبات قد تشمل حظر الأسلحة، تجميد الأصول، أو تقييد العلاقات التجارية والاقتصادية.

إحدى الطرق التي يمكن من خلالها فرض العقوبات على إسرائيل هي من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بموجب الفصل السادس أو السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة يعالج التسويات السلمية للنزاعات، ويتضمن آليات لعزل دولة سياسياً أو اقتصادياً في حال رفضها الامتثال للقانون الدولي.

رغم أن هذا الفصل لا يسمح باستخدام القوة العسكرية، فإنه يسمح بفرض عزلة سياسية واقتصادية، مما يمكن أن يخلق ضغطًا على إسرائيل للتوقف عن الانتهاكات.

ومع ذلك، يمكن أن تعرقل التحديات السياسية والفيتو المزدوج من دول دائمة العضوية في مجلس الأمن مثل الولايات المتحدة تمرير مثل هذه العقوبات.

الفصل السابع، من جهة أخرى، يسمح باستخدام القوة العسكرية إذا كانت الأوضاع تهدد السلم والأمن الدوليين.

ورغم أن هذا الخيار يبدو بعيد المنال في النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، إلا أن التهديد باستخدام القوة العسكرية أو فرض عقوبات اقتصادية صارمة تحت هذا الفصل يمكن أن يمثل وسيلة ضغط جدية على إسرائيل، خاصة إذا كانت الانتهاكات تصل إلى مستوى الجرائم الدولية مثل جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية.

هل يمكن للاتحاد الأوروبي أو منظمات أخرى فرض عقوبات على إسرائيل؟

العديد من المنظمات الإقليمية والدول مثل الاتحاد الأوروبي أو حتى الاتحاد الإفريقي تمتلك صلاحيات فرض عقوبات على الدول بشكل مستقل عن مجلس الأمن.

في حالة الاتحاد الأوروبي، الذي يُعد شريكًا تجاريًا رئيسيًا لإسرائيل، يمكن أن تشكل العقوبات الاقتصادية ضغطًا كبيرًا.

العقوبات الدولية أحادية الجانب، التي تفرضها الدول بشكل فردي دون الحاجة لقرار من مجلس الأمن، تُعد أيضاً أداة فعالة يمكن أن تُستخدم لتوجيه الرسائل السياسية والاقتصادية لإسرائيل.

يمكن للاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، أن يُعلق بعض الامتيازات التجارية أو يُحد من التعاون العسكري.

ما هو دور محكمة العدل الدولية في فرض العقوبات؟

محكمة العدل الدولية (ICJ) لها دور هام في توجيه المجتمع الدولي حول مدى قانونية الإجراءات التي تتخذها الدول.

ورغم أن المحكمة لا تستطيع فرض عقوبات بحد ذاتها، فإنها تصدر آراء استشارية ملزمة للأمم المتحدة.

على سبيل المثال، في عام 2004، أصدرت المحكمة رأياً استشارياً بشأن الجدار الفاصل الذي تبنيه إسرائيل في الضفة الغربية، مؤكدة أنه غير قانوني.

ولكن غياب الإرادة السياسية لتنفيذ مثل هذه الأحكام حال دون فرض عقوبات فعلية، وايضاً القرار الاستشاري التاريخيّ بتفكيك المستوطنات الصادر في حزيران للعام 2024 وإعادة الفلسطينين المهجرين إلى أراضي 1967.

التبعات القانونية على الشركات التي تدعم ارتكاب جرائم حرب

في السنوات الأخيرة، ازدادت الدعوات لمحاسبة الشركات المتورطة في دعم الانتهاكات الإسرائيلية.

الشركات التي تقدم معدات عسكرية أو بنية تحتية تستخدم في ارتكاب جرائم حرب، جرائم ضد الإنسانية أو حتى جريمة الإبادة الجماعية قد تُواجه مسؤولية قانونية.

يمكن أن تُفرض عقوبات على تلك الشركات، سواء عبر المحاكم الوطنية أو الدولية، بناءً على مشاركتها المباشرة أو غير المباشرة في هذه الجرائم.

شركات الاتصالات، الإنشاءات، والبرمجيات التي تُسهم في تعزيز السيطرة العسكرية على الفلسطينيين قد تكون عرضة لملاحقات قانونية وعقوبات دولية.

التحديات السياسية والقانونية لفرض العقوبات

التحدي الأكبر في استخدام العقوبات كأداة قانونية ضد إسرائيل يكمن في التوازن بين القانون والسياسة.

من الناحية القانونية، هناك أدلة واضحة على أن الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل في غزة ولبنان، مثل القصف العشوائي على المدنيين، قد تصل إلى مستوى جرائم حرب وفقًا للقانون الدولي الإنساني.

ولكن العقبة الأساسية هي أن إسرائيل تتمتع بدعم سياسي قوي من بعض القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، وهو ما يجعل فرض العقوبات الدولية بشكل كامل صعبًا للغاية.

ما هو دور المحكمة الجنائية الدولية (ICC)؟

المحكمة الجنائية الدولية يمكن أن تكون أداة رئيسية لمحاسبة إسرائيل على الجرائم المرتكبة في غزة ولبنان.

في عام 2021، فتحت المحكمة تحقيقًا في جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك غزة.

ورغم أن التحقيق يمثل خطوة كبيرة نحو المساءلة، إلا أن المحكمة تعتمد على التعاون الدولي لتنفيذ قراراتها، وهو ما يمكن أن يكون تحديًا كبيرًا في ظل غياب الدعم الكامل من بعض الدول، بالإضافة إلى طلب المدعي العام لمحكمة الجنايات الغرفة التمهيدية باستصدار مذكرات توقيف دولية بحق كلاً من نتنياهو و غالانت في ايار 2024.

هل يمكن للعقوبات أن تكون فعالة؟

تاريخيًا، أظهرت العقوبات الدولية نتائج متباينة.

على سبيل المثال، العقوبات المفروضة على إيران وكوريا الشمالية لم تحقق التغيير الجوهري في سياسات تلك الدول، لكنها أضعفت اقتصادياتها وعزلتها دوليًا.

في حالة إسرائيل، نظرًا لاعتمادها الكبير على التجارة الدولية والعلاقات الدبلوماسية مع الغرب، يمكن أن تكون العقوبات الاقتصادية أكثر تأثيرًا.

فعزل إسرائيل دبلوماسيًا وفرض عقوبات تجارية يمكن أن يُجبرها على إعادة النظر في سياساتها، لكن فقط إذا تم تطبيق العقوبات بشكل شامل ومتعدد الأطراف.

التبعات القانونية للعقوبات على مستوى الأفراد والدول

العقوبات الدولية لا تؤثر فقط على الدول ككيانات، بل يمكن أن تستهدف الأفراد أيضًا.

تجميد الأصول ومنع السفر يُعدان من الأدوات التي يمكن استخدامها ضد المسؤولين الإسرائيليين المتورطين في اتخاذ قرارات سياسية أو عسكرية تسهم في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان.

هذه العقوبات يمكن أن تمتد إلى الشركات التي تدعم بشكل مباشر أو غير مباشر هذه الانتهاكات، مما يزيد من تأثير الضغط الدولي.

في ضوء التحديات القانونية والسياسية الحالية، يبدو أن فرض عقوبات دولية على إسرائيل قد يواجه عقبات كبيرة.

ومع ذلك، يظل استخدام العقوبات كأداة للضغط والمساءلة أحد الخيارات المطروحة على الساحة الدولية.

من المهم أن تتحد الجهود الدولية لضمان الامتثال للقانون الدولي، سواء من خلال العقوبات أو عبر المنظمات القانونية الدولية مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.

تبقى الأسئلة المطروحة: هل يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاوز الحسابات السياسية ويطبق العقوبات على إسرائيل؟ وهل ستكون هذه العقوبات كافية للحد من الانتهاكات المتكررة في غزة ولبنان؟

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى