مصر

د. رضوي الشاذلى : البرنامج النووي الإيراني: جدل دولي بين التقدم التكنولوجي والمخاوف الأمنية

يُعَد البرنامج النووي الإيراني واحدًا من أكثر القضايا التي أثارت جدلاً على الساحة الدولية، حيث تتباين الآراء بشأن نواياه بين الطموح المشروع لتطوير الطاقة النووية لأغراض سلمية، وبين مخاوف تتعلق بإمكانية استخدام هذه التقنية لتطوير أسلحة نووية. يعود تاريخ هذا البرنامج إلى ما قبل الثورة الإسلامية عام 1979،

حيث كانت إيران تسعى إلى استغلال الطاقة النووية كجزء من خططها للتحديث الصناعي والاقتصادي.
بدايات البرنامج النووي الإيراني


بدأت إيران برنامجها النووي في الخمسينيات من القرن الماضي، بالتعاون مع الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة. وقّعت إيران عام 1957 اتفاقية تعاون نووي مع الولايات المتحدة، وذلك في إطار مبادرة الرئيس الأمريكي أيزنهاور المعروفة بـ”الذرة من أجل السلام”. وبحلول عام 1974، بدأت إيران في بناء أول مفاعل نووي في بوشهر بمساعدة ألمانية.


لكن بعد الثورة الإسلامية عام 1979، توقفت معظم هذه المشاريع بسبب التوترات السياسية والعقوبات الدولية. ومع ذلك، استمر اهتمام القيادة الإيرانية بتطوير القدرات النووية، ولكن بوتيرة أقل حتى التسعينيات، حيث شهد البرنامج النووي الإيراني قفزة نوعية.
المخاوف الدولية


منذ عام 2002، حين كشفت جماعات معارضة إيرانية عن وجود منشآت نووية سرية، بدأ المجتمع الدولي يولي اهتمامًا متزايدًا بأنشطة إيران النووية. وأعربت الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، عن مخاوفها من أن إيران قد تسعى لتطوير أسلحة نووية تحت غطاء برنامجها السلمي.


ردًا على هذه المخاوف، بدأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في التحقيق في الأنشطة النووية الإيرانية. ونتيجة لذلك، فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سلسلة من العقوبات الاقتصادية على إيران بين عامي 2006 و2010، في محاولة للضغط على طهران لتقييد برنامجها.
الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة)


في عام 2015، توصلت إيران ومجموعة “5+1″ (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، فرنسا، الصين، روسيا، وألمانيا) إلى اتفاق تاريخي يُعرف بـ”خطة العمل الشاملة المشتركة” (JCPOA). نص الاتفاق على رفع العقوبات عن إيران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي، خاصة فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم. كما وافقت إيران على تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي والسماح بتفتيش منشآتها النووية بشكل دوري.
انسحاب الولايات المتحدة وتصاعد التوترات


في مايو 2018، انسحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي وأعاد فرض العقوبات على إيران، ما أدى إلى تصعيد التوترات بين البلدين. في المقابل، بدأت إيران تدريجيًا في تقليص التزاماتها بالاتفاق، وزادت من تخصيب اليورانيوم وتطوير تقنيات نووية أخرى.
الوضع الراهن والمستقبل


اليوم، تواصل إيران تطوير برنامجها النووي رغم الضغوط الدولية والعقوبات الاقتصادية. بينما تؤكد طهران أن برنامجها يهدف فقط إلى توليد الطاقة الكهربائية والبحث العلمي، لا تزال العديد من الدول الغربية، إلى جانب إسرائيل، تشكك في نواياها وتخشى أن تمتلك إيران في نهاية المطاف القدرة على إنتاج سلاح نووي.


تسعى جهود دبلوماسية جديدة إلى إحياء الاتفاق النووي، لكن القضايا المعقدة المرتبطة بالثقة المتبادلة والتنازلات المطلوبة تجعل من الصعب الوصول إلى حل دائم. وفي ظل استمرار التوترات الإقليمية والدولية، يبقى البرنامج النووي الإيراني مصدر قلق كبير ومركزًا للعديد من النقاشات السياسية والأمنية حول العالم.


البرنامج النووي الإيراني يعكس الطموحات التكنولوجية والسياسية لإيران، ولكنه في نفس الوقت يمثل تحديًا كبيرًا للأمن الإقليمي والدولي. ومع تصاعد التوترات بين طهران والدول الغربية، يبقى التساؤل حول مستقبل هذا البرنامج والكيفية التي سيتطور بها في ظل الظروف الحالية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى