تقاريرحقوق وحريات

اعتقال الخبير الاقتصادي عبدالخالق فاروق .. قمع المعارضة يكشف انهيار الاقتصاد المصري

في خطوة غير مسبوقة ومثيرة للجدل ألقت قوات الأمن المصرية القبض على الخبير الاقتصادي البارز عبد الخالق فاروق البالغ من العمر 67 عاماً الاعتقال تم مباشرة من منزله في القاهرة وهو ما أثار ضجة واسعة وردود فعل غاضبة خاصة بعد سلسلة من المقالات التي كتبها ينتقد فيها الوضع الاقتصادي في البلاد

هذه الحادثة تعد نقطة تحول كارثية في التعامل مع الأصوات المعارضة التي تنتقد سياسات الحكومة الاقتصادية خاصة تلك التي تتعلق بإدارة العاصمة الإدارية الجديدة واستغلال الموارد

الاعتقال جاء بعد انتقادات علنية للسيسي عبر مقالاته المنشورة والتي طالت سياسات الرئيس الاقتصادية بشكل مباشر زوجة فاروق أكدت أن قوات الأمن داهمت المنزل وصادرت مسودات كتبه وأجهزة الحاسوب وهواتفهم المحمولة كما أكدت أن زوجها لم يتمكن من الحصول على أدويته مما أثار القلق حول حالته الصحية التي قد تتدهور بسرعة

ما يثير الدهشة والقلق أن الاعتقال لم يكن عشوائياً بل يبدو أنه كان مبرمجاً ومنظماً بناءً على توجهات فاروق الفكرية والمقالات التي نشرها والتي تناولت قضايا حساسة للغاية في النظام السياسي والاقتصادي عبد الخالق فاروق لم يكن مجرد خبير اقتصادي بل كان صوتاً ناقداً بارزاً وكان يملك الجرأة لتوجيه النقد العلني لسياسات الحكومة وهو ما لم يتحمله النظام

المقالات الأخيرة لفاروق تناولت موضوعات شديدة الحساسية أبرزها مشروع العاصمة الإدارية الجديدة الذي وصفه بسرقة القرن وتحدث عن استغلال أراضي الدولة وبيعها دون أي رقابة كما أشار إلى دور السيسي في محرقة غزة وأثار تساؤلات حول ما إذا كان له مكاسب شخصية في هذا الصراع هذه المقالات لم تمر مرور الكرام فقد أزعجت النظام بشكل واضح وأثارت مخاوف من تنامي الأصوات المعارضة التي تتناول موضوعات حساسة بالجرأة ذاتها

ما يزيد من حساسية الموضوع هو أن اعتقال عبد الخالق فاروق ليس المرة الأولى فقد سبق أن تم القبض عليه في أكتوبر 2018 بسبب نشره لكتابه الشهير هل مصر بلد فقير حقاً؟ حيث اعتبر هذا الكتاب هجوماً مباشراً على سياسات الحكومة الاقتصادية وتم الإفراج عنه بعد أيام لكن هذه المرة الأمور تبدو أكثر جدية وخطورة فالمقالات الأخيرة كانت أكثر جرأة وأكثر تحديداً للاتهامات الموجهة للنظام

مصدر قانوني تحدث للعربي الجديد عن الأسباب المحتملة لاعتقال فاروق وأكد أن المقالات الأخيرة التي نشرها على صفحته الشخصية على فيسبوك كانت السبب الرئيسي في تحرك السلطات ضده وبالنظر إلى أن هذه المقالات تتناول قضايا ذات طابع حساس فمن الواضح أن النظام لم يكن على استعداد لتحمل مثل هذه الانتقادات

التاريخ السياسي لعبد الخالق فاروق يوضح مدى تعمقه في الشؤون الاقتصادية والسياسية في مصر فقد شغل مناصب حساسة كان فيها مستشاراً اقتصادياً في مؤسسات حكومية مهمة مثل مؤسسة الأهرام ومكتب رئيس الوزراء فضلاً عن دوره كخبير اقتصادي في جهاز التنظيم والإدارة المركزي وفي الهيئة المصرية للرقابة على التأمين هذه الخبرات جعلت من فاروق واحداً من أبرز الأصوات الاقتصادية الناقدة في مصر وأكثرها تأثيراً

الجميع يعلم أن فاروق ليس مجرد خبير اقتصادي بل هو شخصية ذات تاريخ طويل في النقد الاقتصادي والسياسي وكان دائماً صريحاً في انتقاداته التي تستند إلى دراسات معمقة وأبحاث علمية هذه الصراحة كلفته الكثير ولكنها أيضاً أكسبته احتراماً واسعاً بين المهتمين بالشأن الاقتصادي في مصر وعموم المنطقة العربية

هذا الاعتقال يثير أسئلة كبرى حول حرية التعبير في مصر ومدى استعداد الحكومة لتحمل النقد البناء خاصة إذا ما جاء من خبراء لهم وزنهم في الساحة الاقتصادية والسياسية كما أن مسألة مصادرة الكتب وأجهزة الحاسوب تشير إلى أن السلطات لا تستهدف فقط إسكات الصوت المعارض بل تهدف أيضاً إلى محو أي أثر للأبحاث والدراسات التي قد تؤدي إلى توجيه المزيد من النقد

في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد المصري من تحديات كبيرة على رأسها الديون المتراكمة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة تأتي مثل هذه الاعتقالات لتزيد من الشكوك حول قدرة الحكومة على مواجهة هذه الأزمات بطريقة شفافة وعادلة يبدو أن التوجه العام هو نحو قمع أي صوت يمكن أن ينتقد السياسات الحالية أو يقدم حلولاً بديلة بعيدة عن سيطرة الحكومة

اعتقال عبد الخالق فاروق يعيد إلى الأذهان تلك الفترة التي كان فيها النظام المصري أكثر صرامة في التعامل مع منتقديه لكنه أيضاً يكشف عن مدى الضعف الذي يعاني منه النظام في مواجهة الانتقادات الاقتصادية فالاعتقال قد يكون محاولة لإسكات فاروق ولكنه لن يتمكن من إسكات القضايا الاقتصادية التي تناولها في مقالاته ستظل هذه القضايا محط اهتمام الرأي العام

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى