تقاريرحقوق وحريات

النساء يتفوقن على الرجال في الأجور وسط أزمة التفاوت بين القطاعين العام والخاص

شهد عام 2023 تغييرات دراماتيكية في سوق العمل المصري، حيث أظهرت الأرقام تفوق النساء على الرجال في العديد من القطاعات فيما يتعلق بالأجور، وهو تحول غير مسبوق يثير تساؤلات كثيرة حول مستقبل التوازن الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

بيانات النشرة السنوية لإحصاءات التوظيف والأجور وساعات العمل، التي أصدرها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أكدت أن الفجوة في الأجور بين الجنسين بدأت تضيق في بعض المجالات، ولكن هذا التحسن لم يكن موحداً في جميع القطاعات.

التقرير أشار إلى أن متوسط الأجر الشهري للعاملين في مصر شهد زيادة كبيرة بنسبة 16.8%، ليصل إلى 5005 جنيهات، وهو ما يعتبر نمواً لافتاً مقارنة بالأجر الشهري للعام السابق الذي كان 4284 جنيهًا.

رغم ذلك، يبقى هناك تباين واضح بين القطاعين العام والخاص، حيث بلغ متوسط الأجر في القطاع العام والأعمال العامة 12401 جنيه، في حين كان متوسط الأجر في القطاع الخاص 4675 جنيهًا فقط، ما يعكس فجوة شاسعة بين القطاعين.

ورغم هذه الزيادة، فإن الفارق بين أجور الذكور والإناث في القطاعين العام والخاص لا يزال موجوداً، حيث بلغ متوسط أجر الذكور في القطاع العام 12183 جنيهًا، بينما بلغ متوسط أجر الإناث في نفس القطاع 13496 جنيهًا، مما يعني أن النساء في القطاع العام يكسبن أكثر من الرجال، وهو أمر لافت قد يعكس تحسناً في مكانة المرأة داخل هذا القطاع.

في المقابل، يظهر القطاع الخاص فجوة كبيرة بين الجنسين، حيث بلغ متوسط أجر الذكور 4808 جنيهات، مقابل 4064 جنيهًا للإناث، ما يشير إلى استمرار التمييز الجنسي في الأجور داخل هذا القطاع الحيوي.

بالنسبة لأنشطة معينة مثل قطاع المعلومات والاتصالات، أظهرت الأرقام أن النساء يتفوقن بشكل واضح على الرجال، حيث بلغ متوسط أجرهن 20646 جنيهًا مقارنة بـ18665 جنيهًا للذكور.

أما في قطاع الكهرباء والغاز، فقد بلغ متوسط الأجر الشهري 13402 جنيه، بواقع 13181 جنيهًا للذكور مقابل 14615 جنيهًا للإناث، مما يعزز التوجه التصاعدي لمساهمة النساء في القطاعات الاقتصادية ذات الأجور المرتفعة.

التقرير لم يتوقف عند هذا الحد، بل سلط الضوء على الفجوة في الأجور في مجالات أخرى. ففي نشاط التعدين واستغلال المحاجر، بلغ متوسط الأجر الشهري 7669 جنيهًا، حيث حصل الذكور على 7851 جنيهًا مقابل 6706 جنيهات للإناث، ما يعكس استمرار التفاوت في الأجور في هذا القطاع الصعب والخطر.

أما في مجال التشييد والبناء، فقد بلغ متوسط الأجر الشهري 7430 جنيهًا، مع تفوق النساء بشكل ملحوظ حيث حصلن على 8017 جنيهًا، مقارنة بـ7256 جنيهًا للذكور.

الزيادة العامة في الأجور بمعدل 16.8% تعكس تحسناً ظاهرياً في الوضع الاقتصادي، ولكن التباينات الكبيرة بين القطاعين العام والخاص تثير التساؤلات حول مدى عدالة توزيع هذا التحسن.

القطاع العام يبدو كأنه الملاذ الآمن لمن يرغبون في تحقيق دخل أعلى، بينما يعاني العاملون في القطاع الخاص من فجوة ملحوظة في الأجور، وهي فجوة قد تكون ناتجة عن غياب تنظيم واضح أو ضعف الضمانات القانونية في هذا القطاع.

النشرة السنوية لإحصاءات التوظيف والأجور، التي يُعتمد عليها في تحديد الحد الأدنى للأجور في مصر، أوضحت أن هناك زيادة ملموسة في أجور العاملين، لكن تلك الزيادات لم تكن متوازنة بين جميع الفئات أو القطاعات.

ارتفاع متوسط الأجر الشهرى في بعض الأنشطة الاقتصادية الحيوية، مثل الوساطة المالية والتأمين، حيث بلغ متوسط الأجر 12494 جنيهًا، يعكس التفاوت الهائل بين القطاعات. ففي حين يحصل الذكور في هذا القطاع على 13654 جنيهًا، تحصل الإناث على 8993 جنيهًا فقط، مما يعيد إلى الأذهان التساؤلات حول العدالة في توزيع الأجور.

التقرير يعكس أيضاً تبايناً في عدد ساعات العمل بين القطاعين، حيث يعمل العاملون في القطاع العام بمتوسط 185 ساعة شهرياً، مقارنة بـ206 ساعات للعاملين في القطاع الخاص.

هذا التفاوت في عدد الساعات يثير تساؤلات حول مدى الاستغلال الوظيفي في القطاع الخاص، حيث يُطلب من العاملين ساعات أطول مقابل أجر أقل بكثير من أقرانهم في القطاع العام.

وتبقى الأرقام مجرد مؤشر على تحديات أعمق تعصف بسوق العمل المصري، خاصة مع استمرار فجوة الأجور بين الجنسين وبين القطاعين العام والخاص.

وبينما قد تكون الزيادة في الأجور إشارة إلى تحسن الاقتصاد، فإن عدم المساواة في توزيع هذا التحسن يبقى عائقاً أمام تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.

بهذا السياق، تظهر الحاجة الماسة لإصلاحات شاملة تضمن تحقيق توازن أكبر في سوق العمل، وتساهم في تضييق الفجوات بين مختلف الفئات والقطاعات.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى