مقالات ورأى

أنور الغربي يكتب: الكحلاوي ومواقفه المتناقضة: من دعم “عشرية الحرية” إلى التبرؤ منها

من النادر جدا أن أرد على الأشخاص بأسمائهم إذا لم يكونوا في مواقع التسيير وبيدهم السلطة. وهذه القاعدة تشمل الجميع ولا أستثنيها الا في حالات أرى فيها أنه من واجبي كشف الحقيقة كما هي دون تحليل أو استبلاه واستغفال للناس.
لا أفهم سبب إصرار عدد من الأشخاص على الإساءة والتطاول على عشرية الديمقراطية والحرية للجميع والتي كانوا هم من أكثر المستفيدين منها ومن مخرجاتها.
اليوم سأتناول حالة النقابي السيد أحمد الكحلاوي الذي تحول الى شق الصادقين والمفسرين والمبررين وهذا حقه، ولكن طالما يتم استعمال أقدس وأنبل قضية في الصراع وهي فلسطين فانه وجب التنويه حتى لا تضيع البوصلة خاصة أن الرجل عرف أساسا بلافتة “مناهضة التطبيع ودعم العراق وفلسطين” كما يردد باستمرار.
سأكتفي في هذه العجالة بأربع ملفات للتأكيد على دور السيد أحمد زمن العشرية “التي صار اليوم يتبرأ منها ومن مخرجاتها ورجالها وملفاتها…”
لن أتناول الجانب الشخصي رغم أهميته في الموضوع، ولكن ما يهمنا هنا هي الملفات التي كان للسيد الكحلاوي دور بارز فيها.
1 – وفد الصالون العربي –
في شهر نوفمبر 2012 اتصل بي السادة احمد الكحلاوي وخالد الكريشي من أجل ترتيب لقاء لوفد “عروبي” يزور تونس ويرغب في مقابلة الرئيس وبعد التشاور والاطلاع على تركيبة الوفد وأهداف الزيارة وقع تفويض الامر لي لاستقبالهم والترحيب بهم والاستماع إليهم وهذا ما حصل فعلا في أحد النزل.
والغريب أن الجلسة معهم بدأت بجملة من الأسئلة توَجّه بها الزّائرون إلى ممثّلي المشهد السياسي التونسي. كان مدار الأسئلة على التجربة التونسيّة وأطوار الانتقال الديمقراطي ولذلك كانت متنوّعة. وسيقت على غير ترتيب سوى تواردها في أذهان أصحابها.
من أهمّ الأسئلة:
ـ كيف تفرز الثورة قوى رجعيّة بدل القوى التقدّميّة؟
ـ ماذا عن مستقبل الصدام بين نداء تونس وحركة النّهضة؟
ـ حزب النهضة حزب معتدل، ولكن ما الضامن لاستمرار نهج الاعتدال هذا؟
ـ هل سيكون في الدستور تحريم الأحزاب الدينيّة؟
ـ هل قام إجماع حول الدّولة المدنيّة العلمانيّة؟
ـ مجموعة من الأسئلة تركّزت حول الظاهرة السلفيّة ومستقبلها
ـ هل من أفكار جديدة لإنشاء إعلام جديد؟
وكان واضحا أن الجامع بين الأسئلة:
ـ أنّها أسئلة جيل لم تتخلّص من معياريّة الستّينيّات والسبعينيّات. وهي أسئلة تعكس هواجس جيل كان له مزاجه الخاص، وصار هذا المزاج مانعا من التعاطي مع مستجدّات الفكر والسياسة.
ـ يعكس معظمها تبرّما بثورة المجال العربي وتفاعلاتها السريعة. ولذلك غلب على الأسئلة وعلى تدخّلات أصحابها في النّقاش التشاؤم والخوف من القادم. وصارت الثورة سببا في إيقاظ فتنة كانت نائمة.
ـ أنّ جلّ الحاضرين كانوا جزءا من أنظمة الاستبداد. ويصح فيهم نعت الفلول.
هذه الصياغة نقلتها كما هي من التقرير الذي رفعناه للرئيس لاحقا.
خلال اللقاء تداول ممثّلو المشهد التونسي على الإجابة في مداخلات موجزة تخلّلتها مقاطعات من قيل الضيوف بغاية الاستفسار أو الاستيضاح وأحيانا التعليق.
الوفد من الجانب التونسي تكون من السادة مراد اليعقوبي وزهير إسماعيل وأنور الغربي ومن جانب الصالون العربي على ما أذكر السادة مصطفى الفقيه رئيس لجنة السياسات في برلمان مبارك والسفير قيس العزاوي ونصير شمة وإسماعيل زاير وحازم الجبوري ومحمد مطر وخالد زيادة ومحمد الخولي وهاشم العقابي وحضر أيضا الأستاذ خالد الكريشي.

دام الحوار حوالي الساعة والنصف وكان هناك من الضيوف تثمين لما كان من أجوبة ولما حملته من وجهات نظر جعلت أحد الضيوف يذهب إلى أنّ المشهد في تونس أفضل بكثير مّما هو عليه الحال في مصر. وذهب البعض بالملاحظة إلى حدّ المقابلة بين تجربة المغرب العربي وتجربة المشرق. وأنّ الأمل في المغرب العربي كبير.
وكان، على هامش انفضاض الجلسة، التواعد بمواصلة الحوار ومزيد التنسيق بين مراكز البحث في البلاد العربيّة. وبالإمكان تنظيم ملتقى يجمع مراكز الدراسات والبحث الاستراتيجي للتنسيق والتشاور وتبادل الخبرات.

2 – مؤتمر لنصرة الأسرى في سجون الاحتلال الذي عقد برعاية رئيس الجمهورية واشراف من من مستشاريه في الرئاسة

عقد المؤتمر أواخر 2012 وكان السيد أحمد الكحلاوي عنصرا رئيسيا في لجنة المتابعة والتنظيم ويتواصل بشكل شبه يومي مع الرئاسة وانبثق عن المؤتمر اعلان مؤتمر تونس وعن تدشين مكتب تنفيذي لنصرة الاسرى في سجون الاحتلال والتي كانت خطوة فارقة ميزت المؤتمر عن كل المؤتمرات والفعاليات التي نظمت سابقا على المستوى الاقليمي والدولي لنصرة الأسرى.
وكان مطلوبا أن يعمل المكتب التنفيذي ضمن لجنة إشرافية مكونة من عدد من الأعضاء يمثلون عددا من المؤسسات المعنية في قضايا الأسرى في سجون الاحتلال، وكان السيد الكحلاوي واحدا من 12 عضوا
بينهم ثلاث مؤسسات عاملة في فلسطين وأربع مؤسسات أوروبية، وواحدة ممثلة لمناطق اللجوء والشتات الفلسطيني، ووقع الاتفاق على أن تسمي الرئاسة ممثلا عنها بجانب شخصيتين من أعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر وكان السيد أحمد الكحلاوي أحدهما. ربما أعود للكتابة عن أسباب تعطل ذلك المشروع الواعد في تدوينة مستقلة.

3 – الوفود الشبابية
نظم السيد أحمد الكحلاوي خلال سنة 2013 فعاليات للعشرات من الشباب “العروبي” وطلب دعما من الرئاسة ومكّن من ذلك بالرغم أن مشاريعه تلك كانت في إطار أنشطته ولا علاقة لها بالدولة وبالمشترك بين التونسيين.

4- وفد “المرجعية العروبية والقومية”

نظم السيد أحمد الكحلاوي زيارة لوفد من مرجعيات وشخصيات عروبية بعضها جد مرموقة ومحترمة وكان الهدف الرئيسي من الزيارة البحث عن اليات التقارب في وجهات النظر وبخاصة محاولة التسويق لنظام بشار الأسد والتقى ممثلين عن الوفد برئيس الجمهورية في بيته بسوسة حرصا على عدم الخلط بين المهام والادوار الرسمية ومجالات العلاقات العامة المفتوحة.

الثابت لدي أن ما وجده السيد أحمد الكحلاوي وغيره كثير من تعاون ومساعدة وتبجيل ورقي في التعامل زمن الترويكا لن يجد عشره زمن الضياع والتيهان ولكنه مع ذلك مازال هو ومن مثله مصرون على ترذيل مرحلة رفعتهم وهم عبثا يحاولون تحطيمها في أذهان الناس.

أجدد التأكيد على الفصل بين الجانبين الشخصي والعام في موضوع هذه التدوينة التي أكتبها كشهادة وتبرئة للذمة أمام التاريخ والاجيال ونصرة للحق والعدل لا غير.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى