تقاريرمحافظات

قرى الجيزة المنسية: الموت البطيء بسبب الإهمال المستمر وتجاهل يُغرقها في الكوارث

في قلب محافظة الجيزة، تئن قرى منذ عقود تحت وطأة التجاهل التام، وكأنها خارج حدود الخريطة المصرية تعاني هذه القرى من انعدام أي نوع من التنمية الأساسية والضرورية للحياة، وكأنها تحيا في عصور مظلمة ومجمدة في الزمن يعيش سكانها دون أمل أو رؤية واضحة لمستقبل أفضل وسط إهمال متعمد.

في كل مكان بهذه القرى نرى مظاهر البؤس الكارثي الذي أصابها في الصميم فلا مياه نظيفة ولا بنية تحتية صالحة ولا خدمات صحية لائقة ولا مدارس تستوعب الأعداد المتزايدة من الأطفال كل شيء هنا يبدو وكأنها منطقة مهجورة نُسي أمرها.

قرية المنوات تعتبر نموذجًا حيًا لما تعانيه تلك القرى من إهمال مستمر، حيث يسكنها الأهالي وهم محاصرون بمشاكل متعددة ككارثة مياه الشرب والصرف الصحي، الترعة الرئيسية التي تخنق القرية بسبب انسدادها بفعل إلقاء مخلفات الصرف الصحي فيها.

السائقون الذين يقومون بتفريغ محتويات عربات الكسح في الترعة تسببوا في انسدادها بالكامل، حتى أصبحت القرى بحاجة إلى حفر ترعة جديدة تآكلت الأراضي الزراعية على ضفاف الترعة بسبب هذا الإهمال الذي استمر لأكثر من أربع سنوات، ما أدى إلى تلف عشرات الأفدنة وجعل الفلاحين يعيشون في كابوس مستمر.

بدأ البعض في حفر آبار لاستخراج المياه الجوفية لري أراضيهم، ولكن هذه المياه تسببت في ملوحة التربة وتدمير الإنتاج الزراعي الفلاحون اشتكوا مرارًا وتكرارًا للمسؤولين ولكن لم يجدوا سوى صمت قاتل يرد عليهم كل محاولة لإيقاف كارثة تفريغ مياه الصرف الصحي في الترعة كانت تقابل بتجاهل تام.

الحياة في قرية المنوات تحولت إلى جحيم الأرض لا تشعر بقطرة ماء نقية منذ سنوات عديدة حتى الحيوانات الضالة صارت جزءًا من المشهد بعد أن تحولت الأرض المهملة إلى مستنقع كبير من القمامة والأمراض البيئة الزراعية أصبحت ملوثة تمامًا بفعل تلوث المياه التي أصبحت سمًا متداولًا في كل شيء يأكله ويشربه السكان.

في يوم واحد فقط، عانى أهل المنوات من انهيار كامل لبنيتهم التحتية الزراعية، واضطر الفلاحون إلى اللجوء لمياه جوفية مالحة، مما زاد من ملوحة الأراضي وأدى إلى انتشار البوار آلاف الشكاوى ذهبت دون أي استجابة من وزارة الري، بينما استمرت المشكلة في تدمير حياتهم اليومية.

قرية العزيزية تعيش أيضًا نفس المعاناة ولكن مع إضافة كارثة جديدة وهي الفيضانات الناتجة عن الأمطار الغزيرة التي أغرقت القرية في أكثر من مناسبة مثلما حدث في 2020 حيث عاشت القرية أيامًا في ظلام تام وسط مياه ملوثة ومنازل مهدمة وقتلى سقطوا بسبب أعمدة إنارة غير آمنة.

أهالي العزيزية يعيشون دون خدمات أو مرافق رئيسية بل حتى حقهم في المشاركة السياسية انتُزع منهم حين مُنعوا من التصويت في الانتخابات بدعوى تفشي فيروس كورونا، رغم أن جميع القرى المحيطة شاركت في الانتخابات، ما أدى إلى حرمانهم من أي خدمات تقدمها الدولة عبر نواب البرلمان.

قريتهم تعاني من تهميش غير مبرر، وتُركوا في مهب الريح يعيشون بين المياه العادمة التي تغرق شوارعهم والأمراض التي تنتشر بينهم نتيجة هذا الإهمال الغير مبرر الذي تفرضه عليهم السلطات المعنية.

القرى المجاورة مثل منيل شيحة وطموه ليست أحسن حالًا بل تعيش نفس الدوامة من الفشل الحكومي والفساد المستشري الذي حوّل حياة سكانها إلى جحيم مستمر على مدار عقود، مشاريع الصرف الصحي التي بدأتها الحكومة منذ أكثر من عشر سنوات لم تنجز حتى الآن، ويعيش الأهالي بين مياه الصرف التي تغرق الشوارع.

قرية منيل شيحة تحديدًا تعاني من مشروع صرف صحي بدأ منذ أكثر من 18 عامًا ولم ينتهِ حتى الآن، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية للشوارع وانهيار ما تبقى من خدمات قلة من المدارس والوحدة الصحية التي لا تقدم سوى خدمات محدودة تجعل حياة الناس أقرب إلى الموت البطيء.

مشروع حياة كريمة الذي أطلقته الدولة ليكون بادرة أمل لهذه القرى لم يصل إلى الكثير منها على الرغم من مرور سنوات على الإعلان عنه وبدلاً من أن يكون هذا المشروع حلاً لآلامهم أصبح مجرد حلم بعيد المنال.

في ظل هذه الأوضاع المأساوية، تجد الأهالي مضطرين للبحث عن حلول فردية مثل حفر آبار لاستخراج المياه الجوفية أو التعايش مع فيضانات الأمطار وارتفاع أسعار الخدمات مثل عربات الكسح التي تضاعفت أسعارها بسبب ارتفاع أسعار الوقود ليصبح العبء أكثر ثقلاً على كاهل الأهالي.

الوحدة المحلية ومجلس النواب غائبان تمامًا عن مشهد المعاناة اليومية التي يعيشها السكان، فكل شكوى تذهب في مهب الريح ولا يجد الأهالي من يساندهم في هذه الظروف الصعبة.

حتى المشاريع التي بدأت مثل مشروع الصرف الصحي في طموه تعثر لأسباب تتعلق بعدم كفاءة الشركة المنفذة، ما أدى إلى بطء الإنجاز وتفاقم المشاكل نتيجة عدم دراسة الوضع جيدًا حيث تهدمت منازل وأصبحت القرية تعاني من مشكلات جديدة بسبب الحفر.

في قلب هذه الأزمات المتشابكة نجد أن الدولة تواصل إنفاق أموال طائلة على مشاريع غير مكتملة أو غير ذات جدوى في الوقت الذي تتراكم فيه المشاكل الأساسية لهذه القرى دون حلول حقيقية.

منذ سنوات طويلة والقرى تعيش في فوضى لا تنتهي، والمواطنون يستغيثون بلا مجيب بينما تتفاقم المشكلات وتتسع الفجوة بين الريف والمدينة، وتظل القرى المصرية حبيسة الإهمال والفساد الذي يمنع أي خطوة للأمام.

ما يجري في قرى جنوب الجيزة من إهمال متعمد يضع البلاد أمام اختبار حقيقي فإما أن تتحرك الدولة لإصلاح ما أفسده الدهر أو تستمر معاناة هذه القرى التي تمثل شريحة كبيرة من المجتمع المصري في جحيم لا نهاية له

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى