تقارير

الاقتصاد المصري ينهار: السيسي يواجه اختبار البقاء أمام صندوق النقد

في مشهد يعكس واقعًا اقتصاديًا مريرًا ومتدهورًا، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي على ضرورة إعادة النظر في الاتفاق المبرم مع صندوق النقد الدولي وذلك بعد أن أصبحت ضغوط هذا البرنامج غير محتملة للمواطنين المصريين.

حديث السيسي جاء في سياق جلسة حوارية خلال المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية، حيث أشار إلى أن استمرار العمل بالبرنامج الحالي سيؤدي إلى تحميل الدولة ضغوطاً إضافية وهو ما سيلقي بظلاله على كاهل الشعب ويزيد من معاناته.

وفي وقت تشهد فيه مصر تراجعًا كبيرًا في عائدات قناة السويس التي كانت إحدى أكبر مصادر النقد الأجنبي في البلاد، فقد السيسي أن هذا التراجع سيستمر لفترة قد تصل إلى عام كامل. حيث فقدت البلاد ما بين 6 و7 مليارات دولار من إيرادات قناة السويس نتيجة لتحويل عدد كبير من السفن مساراتها إلى طريق رأس الرجاء الصالح لتجنب تهديدات الحوثيين في البحر الأحمر.

رغم أن عائدات القناة العام الماضي بلغت 10 مليارات دولار، فإن الانهيار المفاجئ في العائدات خلال هذا العام يُعَدُ صدمة قوية للاقتصاد المصري. حيث كانت هذه العائدات تمثل جزءاً حيوياً في تلبية احتياجات الدولة من النقد الأجنبي، خاصة في ظل ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً وتراجع قيمة العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما زاد من الأعباء الاقتصادية على المواطنين والدولة على حد سواء.

مع اقتراب موعد المراجعة الرابعة للاتفاق مع صندوق النقد الدولي التي ستجرى في نوفمبر المقبل، تتزايد التساؤلات حول مدى قدرة الحكومة المصرية على التعامل مع هذه الضغوط. ففي حال استكمال المراجعة، ستتمكن مصر من الحصول على شريحة جديدة بقيمة 1.3 مليار دولار، وهي الأكبر من بين شرائح القرض المتفق عليه، إلا أن هذه الأموال لن تكون كافية لسد الفجوة الاقتصادية الهائلة التي تعاني منها البلاد، وقد تكون مجرد مسكن مؤقت في ظل الأزمة المستمرة.

في هذا السياق، أبدت رئيسة بعثة صندوق النقد الدولي في مصر، إيفانا فلادكوفا هولار، قلقها من تباطؤ الحكومة المصرية في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية المطلوبة، خاصة فيما يتعلق بتوسيع مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد. إذ دعت هولار الحكومة إلى اتخاذ إجراءات أكثر جرأة، من بينها تحرير سعر صرف الجنيه بشكل كامل وإلغاء القيود المفروضة عليه، وهو ما سيؤدي بلا شك إلى ارتفاع جديد في أسعار السلع والخدمات الأساسية بشكل كبير، مما سيزيد من أعباء المواطنين الذين يعانون أصلاً من تدهور مستمر في قدرتهم الشرائية.

كما طالبت هولار برفع الدعم عن قطاع الطاقة وزيادة الأسعار حتى تصل إلى مستوى التكلفة الفعلي. هذا القرار، إذا تم اتخاذه، سيثير موجة غضب شعبية واسعة، حيث تعتمد شريحة كبيرة من المصريين على الدعم الحكومي في تحمل تكاليف المعيشة اليومية، ومن دون هذا الدعم ستكون الأوضاع كارثية بشكل غير مسبوق.

الاقتصاد المصري يواجه تحديات جسيمة في ظل استمرار الأزمات العالمية، بما في ذلك التضخم العالمي وارتفاع أسعار السلع الأساسية، بالإضافة إلى الحرب في أوكرانيا التي زادت من تفاقم الأوضاع الاقتصادية بشكل ملحوظ. ومع استمرار تدهور سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، أصبح من الصعب على الدولة توفير احتياجاتها من العملة الصعبة لتغطية وارداتها المتزايدة والتي تشمل مواد غذائية أساسية ومواد خام للصناعة.

يأتي ذلك في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي تغيرات جذرية تؤثر بشكل مباشر على الدول ذات الاقتصادات الهشة مثل مصر. فالاعتماد على القروض والمساعدات الدولية قد لا يكون حلاً مستداماً، بل إنه في كثير من الأحيان يزيد من التزامات الدولة ويزيد من حدة المشكلة بدلاً من حلها. ومع عدم وجود خطط واضحة للخروج من هذه الأزمة، يبدو أن الوضع يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم.

لا تزال الحكومة المصرية تحاول تحقيق التوازن بين تلبية مطالب صندوق النقد الدولي والحفاظ على استقرار اجتماعي داخلي وسط حالة من الغضب الشعبي المتزايد بسبب تدهور الأوضاع المعيشية. القرارات الاقتصادية المؤلمة التي قد تتخذها الحكومة خلال الفترة المقبلة ستكون محورية في تحديد مسار البلاد في المستقبل، إما للخروج من الأزمة أو للغرق في دوامة من الديون والفقر.

إن مراجعة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لم تعد مجرد خيار بل أصبحت ضرورة ملحة لإنقاذ الاقتصاد المصري المتدهور من الانهيار الكامل. ولكن في الوقت ذاته، فإن هذه المراجعة قد تكون لها تداعيات اجتماعية خطيرة إذا ما استمرت الحكومة في تجاهل معاناة المواطنين واحتياجاتهم اليومية.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى