الجدل حول استراتيجية الحكومة بين بيع الشركات أو الاستثمار فيها أصبح حديث الساعة فقد أثار الكثير من القلق والجدل وأصبحنا نتساءل جميعا عن مصير القطاع العام في البلاد فهل هي خطوة ذكية أم انتحارية فخبراء الاقتصاد يرون أن بيع الأصول يمثل نهجا غير مستدام.
بينما يرى آخرون أن هذا النهج يعكس ضرورة ملحة للحصول على الأموال خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية الراهنة يتردد صدى السؤال من جديد هل الحكومة فعلا تتجه نحو البيع أم أن هناك خطة استراتيجية للاستثمار المستدام يتبعها الاقتصاد المصري في إطار متغيرات العالم اليوم.
مصر تواجه أزمة شديدة بسبب صعوبة الحصول على الدولار ما أجبر الحكومة على اللجوء إلى بيع شركات رابحة بصورة غير مسبوقة لتأمين مواردها المالية بما يتماشى مع شروط صندوق النقد الدولي وقد بلغت قيمة القرض الذي تسعى للحصول عليه 8 مليارات دولار الأمر الذي يزيد المخاوف بشأن جدوى بيع الأصول.
خبراء الاقتصاد يحذرون من أن بيع الأصول يعد خطوة كارثية فالأصول لا يمكن استرجاعها بعد البيع وأن دخل البيع ليس مستداما بل يمثل تراجعًا واضحًا في قدرة الحكومة على دعم الاقتصاد الوطني وتحفيز الاستثمار المحلي بل ويزيد من الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية.
بحسب تقرير مركز المعلومات بمجلس الوزراء فإنه منذ مارس 2022 وحتى سبتمبر 2024 قامت الحكومة بطرح 17 شركة أمام المستثمرين حققت حصيلة وصلت إلى 5.7 مليار دولار على مدى عامين ونصف هل يعكس هذا نجاحا أم أنه استسلام للضغوطات المالية لا أحد يعرف.
استحوذت شركة أبوظبي التنموية القابضة على 8 شركات بمبلغ 2.6 مليار دولار وصندوق الاستثمار السعودي اشترى 4 شركات بـ 1.3 مليار دولار هذه الأرقام تنذر بخطورة الوضع إذ تواصل الحكومة بيع الأصول بينما تتلاشى فرص الاستثمار المحلي.
مجموعة طلعت مصطفى استحوذت على إحدى الشركات بمبلغ 800 مليون دولار أما شركة “جلوبال” الإماراتية فقد اشترت شركة أخرى بـ625 مليون دولار بينما أحرز رجل الأعمال أحمد عز فوزًا بشركة واحدة بمبلغ 245 مليون دولار ما يعكس حالة من الهستيريا الاستثمارية للأجانب.
في السياق نفسه، مستثمرون في البورصة اقتنصوا شركة بمبلغ 128 مليون دولار وشركة الأصباغ الوطنية القابضة الإماراتية استحوذت على شركة مقابل 17 مليون دولار إذاً الوضع يزداد تعقيدًا على الحكومة المصرية مع تزايد الضغوطات الخارجية والمحلية.
الأمر لا يتوقف هنا فاستمرار الحكومة في بيع الشركات الرابحة يزيد من تخوف المستثمرين المحليين من المستقبل وقد يؤدي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد ما يطرح تساؤلات حول المستقبل الاستثماري لمصر.
يجب على الحكومة أن تعيد النظر في استراتيجياتها الحالية هل تسعى فعلاً لبناء مستقبل مستدام أم أن هذه الخطوات تعبر عن فشل واضح في إدارة الاقتصاد الوطني إن التحديات التي تواجهها البلاد تتطلب اتخاذ قرارات جريئة وليس مجرد حلول وقتية.
إن الحكومة بحاجة إلى التحرك بسرعة لتحفيز الاستثمار المحلي وتقديم حوافز للمستثمرين بدلاً من بيع الأصول من أجل تسديد الديون وتحسين وضعها المالي فالاستثمار هو الطريق الصحيح نحو التنمية المستدامة.
البحث عن حلول استثمارية بعيدًا عن بيع الأصول يجب أن يكون هو الخيار الأول للحكومة فاستمرار بيع الشركات سيتسبب في تآكل الأساس الاقتصادي للبلاد وقد يكون له آثار سلبية طويلة الأمد.
فهل تتمكن الحكومة من تجاوز هذه الأزمات والتوجه نحو الاستثمار المستدام بدلاً من الاعتماد على مبيعات الأصول الكارثية التي تؤثر سلبًا على مستقبل البلاد أم أن الأوضاع ستسوء أكثر في ظل عدم وجود خطط واضحة؟
الوقت قد حان للوقوف أمام هذه الحقائق الصادمة يجب على الحكومة أن تفكر جيدًا قبل اتخاذ أي قرارات قد تؤثر سلبًا على مستقبل الأجيال القادمة فعليها أن تدرك أن الاقتصاد الوطني ليس سلعة تباع وتشترى.
ويبقى السؤال المحوري عالقًا هل الحكومة بصدد بيع شركاتها أم أنها تسعى للاستثمار في مستقبل أفضل فإذا كانت الإجابة هي البيع فقد يكون هذا بداية النهاية للقطاع العام في مصر.
المستقبل لا يحتمل المزيد من الأخطاء الاقتصادية والسياسات قصيرة النظر يجب على الحكومة أن تختار بحذر بين الطريق الذي ستسلكه الآن من أجل إنقاذ البلاد وتأمين مستقبلها.