مرت سنة كاملة على واحدة من أبشع الجرائم التي شهدها العالم حيث استهدف الاحتلال الإسرائيلي مستشفى المعمداني في مدينة غزة بغارة جوية وحشية أسفرت عن مقتل أكثر من 500 فلسطيني بريء
كان المستشفى يعج بالنازحين الذين فروا من بطش القصف المستمر على أحيائهم السكنية معتقدين أن المستشفيات أماكن آمنة وأن القانون الدولي الإنساني سيحميهم
لكن الواقع أثبت العكس حيث تحولت تلك المؤسسات التي كان من المفترض أن تكون ملاذًا آمنًا إلى مقابر جماعية بفعل صواريخ الاحتلال الإسرائيلي التي لم ترحم لا طفلاً ولا امرأة ولا مريضًا في تلك الليلة المأساوية التي لا يزال صداها يتردد في أنحاء غزة الجريحة.
وسط صرخات الأطفال وآلام المصابين هرع الفلسطينيون من كل حدب وصوب نحو المستشفى بحثًا عن الأمان بعد أن دمرت منازلهم
وأصبحت الشوارع ملطخة بالدماء وبدلاً من أن يجدوا الرحمة والملاذ الآمن انفجرت فيهم صواريخ الاحتلال الحاقدة التي لم تتوان عن ضرب المستشفى عن سبق إصرار وترصد تاركة مئات الجثث تحت الأنقاض
في مشهد مروع يصعب وصفه لتسقط بذلك أقنعة النظام الدولي الذي يقف عاجزًا أمام وحشية هذه الجرائم الشنيعة.
لم تكن هذه المجزرة مجرد هجوم عابر في صراع طويل بل كانت جريمة محسوبة ومدروسة تحمل في طياتها كل معاني الغطرسة والصلف الإسرائيلي الذي بات يرى في قتل الأبرياء وسيلة لتحقيق أهدافه السياسية
ومما يزيد من فداحة الكارثة هو الصمت الدولي المخجل الذي أعقب هذه المجزرة حيث اكتفت العديد من الدول بالتنديد اللفظي دون اتخاذ أي خطوات فعلية لمحاسبة الجناة أو فرض عقوبات رادعة ما يعكس انحيازًا واضحًا لدولة الاحتلال على حساب حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.
بعد مرور عام على هذه المذبحة لم يتغير شيء في واقع الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يزال يمارس إرهاب الدولة بأبشع صوره
فبدلاً من أن تتوقف آلة الحرب وتفتح الأبواب أمام محاكمات دولية عادلة استمر الاحتلال في انتهاكاته الوحشية ضد الفلسطينيين
واستمر في استهداف المدنيين والمستشفيات والبنية التحتية بحجج واهية وبمبررات ساقطة لكن إلى متى سيبقى العالم مكتوف الأيدي أمام هذه الجرائم المتواصلة.
لقد كانت تلك الليلة التي سقطت فيها مئات الأرواح بمثابة جرح لا يندمل في قلب كل فلسطيني وكيف ينسى من فقد ابنه أو أخاه أو أمه
في تلك اللحظة الكارثية التي تحولت فيها المستشفيات من ملاجئ للجرحى إلى أهداف عسكرية يضربها الاحتلال بلا رحمة وبلا حساب
وكل هذا يحدث أمام مرأى ومسمع العالم الذي يدعي حماية حقوق الإنسان والعدالة الدولية ولكن هل نرى عدالة حين يُقتل أكثر من 500 إنسان بريء في بضع دقائق
وهل نرى حقوق الإنسان حين تُستهدف المستشفيات بقنابل ذكية تُدمر كل شيء وتقضي على كل من فيها.
المجزرة لم تكن حدثًا منفصلًا بل جاءت ضمن سياق أوسع من التصعيد الإسرائيلي الممنهج ضد الفلسطينيين في غزة
حيث تكررت الاعتداءات على المرافق الطبية والمدنية في تحدٍ صارخ لكل القوانين والاتفاقيات الدولية التي تحظر استهداف المدنيين والمنشآت الحيوية
وهذا ما يضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي إذا كان هناك إرادة حقيقية للمحاسبة
ولكن كما يبدو فإن المحاسبة الدولية مجرد سراب بعيد المنال في ظل الهيمنة الإسرائيلية على السياسة العالمية وتواطؤ بعض القوى الكبرى في إفلات الجناة من العقاب.
المأساة لم تقتصر على القتلى فقط بل خلفت وراءها آلاف الجرحى والمصابين الذين يواجهون مستقبلاً غامضًا في ظل شح الموارد الطبية والانهيار شبه التام للنظام الصحي في غزة الذي أنهكته الحروب المتكررة والحصار الطويل لتزيد معاناة الفلسطينيين يوماً بعد يوم دون أن يرى أحد بصيص أمل في الأفق
ورغم ذلك فإن روح المقاومة والتحدي لم تخمد لدى أهل غزة الذين ظلوا متمسكين بحقوقهم مهما كانت التضحيات مؤمنين بأن العدالة ستتحقق في يوم من الأيام مهما طال الانتظار.
هذه المجزرة كانت نقطة تحول جديدة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حيث أدرك الفلسطينيون مرة أخرى أنهم وحدهم في مواجهة الاحتلال
وأن العالم يقف عاجزًا أو متواطئًا في أفضل الأحوال أمام آلة القتل الإسرائيلية ولكن هذه الحقيقة المؤلمة لم ولن تنال من عزيمتهم بل زادتهم إصرارًا على مواجهة الاحتلال بشتى السبل المتاحة لهم
رغم فارق القوة الهائل ورغم المعاناة التي لا تنتهي فإن إرادة الشعب الفلسطيني في الحياة والحرية أقوى من كل الصواريخ والاعتداءات.
السؤال الذي يبقى معلقًا في أذهان الجميع بعد مرور عام على هذه المذبحة هو إلى متى سيستمر هذا الصمت الدولي وكيف يمكن للعالم أن يغض الطرف عن هذه الجرائم المتكررة التي تُرتكب بحق الأبرياء
ومتى ستتحرك الضمائر العالمية لوقف هذه المأساة المستمرة التي لا تعرف نهاية إلى متى ستبقى إسرائيل خارج نطاق المحاسبة الدولية
رغم كل الأدلة التي تثبت تورطها في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية السؤال الأهم هنا ليس فقط لماذا حدثت المجزرة بل كيف سمح المجتمع الدولي بحدوثها وكيف يستمر في السماح بحدوث مثل هذه الجرائم يومًا بعد يوم.
لقد مر عام لكن جروح غزة لم تلتئم وما زالت الدماء تسيل وما زالت الأرواح تحلق في سماء المدينة التي تحولت إلى رمز للصمود والمقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي
وما زالت العائلات الفلسطينية تفتقد أحباءها الذين ذهبوا ضحية لهذه المجزرة الشنيعة ولعل ما يزيد من مرارة الفقد هو غياب العدالة والمحاسبة لتبقى هذه المجزرة وصمة عار في جبين المجتمع الدولي