تشهد منطقة عفرين الواقعة تحت سيطرة ما يُعرف بالجيش الوطني السوري تصعيدًا عنيفًا وسط اشتباكات دامية بين الفصائل المسلحة في شمال سوريا مما يجعل الوضع هناك يبدو على حافة الانفجار الكبير
فالاشتباكات الدائرة حاليًا ليست سوى جزء من الصراع الداخلي المتأجج بين ما تعرف بالقوة المشتركة التابعة للجيش الوطني ومسلحي صقور الشمال المنضوية تحت راية الجبهة الشامية
والجدير بالذكر أن هذا التوتر يأتي بعد أقل من شهر من توقف الاشتباكات السابقة بين الطرفين مما يشير إلى هشاشة الأوضاع وتفاقم التوترات بين الفصائل المتنازعة التي تتنافس على السلطة والنفوذ في المنطقة التي تعيش حالة من الفوضى الدائمة
السياق العام لهذه الاشتباكات يعكس حالة عدم الاستقرار التي تسيطر على شمال سوريا منذ سنوات فالمنطقة لم تشهد استقرارًا حقيقيًا منذ أن بدأت القوات التركية بالتدخل في الشمال السوري دعمًا لفصائل المعارضة المسلحة تحت مسمى الجيش الوطني الذي تشكل من جماعات مختلفة تحكمها المصالح الآنية والخلافات العقائدية والقبلية
وقد أدى هذا التدخل إلى خلق حالة من الصراع المستمر بين الفصائل المسلحة التي تحاول بسط سيطرتها على المناطق الحيوية وعفرين ليست استثناء بل تشكل إحدى بؤر الصراع الرئيسية بسبب أهميتها الاستراتيجية وقربها من الحدود التركية
منذ سيطرة تركيا والفصائل المدعومة منها على عفرين عام 2018 بعد عملية عسكرية كبرى ضد وحدات حماية الشعب الكردية التي كانت تسيطر على المدينة تحول الوضع إلى ما يشبه الحرب المستمرة بين الفصائل على الموارد والنفوذ في المنطقة
حيث أصبحت المصالح الاقتصادية وخاصة تلك المتعلقة بالتجارة غير المشروعة والتهريب وفرض الإتاوات على السكان هي المحرك الرئيسي للصراعات المسلحة وهذا ما يجعل من المستحيل تقريبًا التوصل إلى تهدئة دائمة بين هذه الفصائل التي باتت تعتمد بشكل أساسي على تمويل نفسها من خلال السيطرة على الموارد المحلية
وفي خضم هذا الصراع لا يمكن تجاهل الدور التركي الذي يلعب دورًا معقدًا إذ تسعى أنقرة إلى استخدام الفصائل التابعة لها لتحقيق أهدافها الجيوسياسية في المنطقة فيما يبدو أنها تحاول الموازنة بين مصالحها الخاصة والضغوط الدولية المتزايدة لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية لكن هذه السياسة قد تؤدي إلى نتائج عكسية
إذ يبدو أن تركيا غير قادرة على ضبط حلفائها من الفصائل المسلحة التي تواصل اقتتالها فيما بينها مما يعمق الأزمة ويزيد من معاناة السكان المحليين الذين وجدوا أنفسهم عالقين في دوامة من العنف والتهجير والانتهاكات المستمرة
من جهة أخرى تبدو القوة المشتركة التابعة للجيش الوطني التي يقودها مجموعة من القيادات ذات الولاءات المختلفة والمصالح المتعارضة غير قادرة على فرض سيطرتها بشكل كامل على المناطق التي تدعي السيطرة عليها
فالتفكك الداخلي لهذه القوة وعدم توحيد صفوفها يجعلها عرضة للاختراق والتنافس من قبل الفصائل الأخرى مثل صقور الشمال والجبهة الشامية التي تسعى بدورها لتعزيز نفوذها وتوسيع سيطرتها في الشمال السوري
وقد زادت حدة الاشتباكات الأخيرة بين القوة المشتركة وصقور الشمال في ريف حلب الشمالي من تعقيد الوضع الأمني بشكل كبير
حيث أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من المسلحين من كلا الطرفين وسط حالة من الفوضى والذعر بين المدنيين الذين يخشون من تصاعد العنف وتحوله إلى صراع مفتوح يدمر ما تبقى من البنية التحتية في المنطقة التي عانت طويلاً من الحروب والنزاعات المسلحة
ولا يمكن تجاهل دور الفصائل الإسلامية الراديكالية في زيادة حدة الصراع إذ تسعى هذه الجماعات للاستفادة من حالة الفوضى والاقتتال الداخلي لتعزيز نفوذها وفرض سيطرتها على بعض المناطق خاصة في ظل انشغال الفصائل الرئيسية بمعاركها الداخلية
وهذه الجماعات تشكل تهديدًا إضافيًا للاستقرار ليس فقط في الشمال السوري بل في عموم المنطقة حيث يمكن أن يؤدي تنامي نفوذها إلى تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي
بالإضافة إلى ذلك يواجه السكان المدنيون في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة معاناة متفاقمة بسبب تردي الأوضاع الإنسانية في ظل غياب تام للخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والرعاية الصحية
فمعظم المرافق الحيوية في عفرين والمناطق المحيطة بها دُمرت بفعل المعارك المستمرة فيما يعاني السكان من نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية ويضطرون إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية التي تصل بشكل متقطع وغير كافٍ لسد احتياجاتهم اليومية
وفي ظل هذه الأوضاع المأساوية يعيش سكان الشمال السوري حالة من الرعب والقلق المستمرين خوفًا من أن تتحول منطقتهم إلى ساحة حرب مفتوحة بين الفصائل المسلحة المختلفة خاصة مع تصاعد التوترات بين القوى الإقليمية والدولية التي تتدخل في الصراع السوري
مما يزيد من تعقيد المشهد ويجعل من الصعب التوصل إلى أي حل سياسي أو عسكري ينهي معاناة الشعب السوري
يبقى الوضع في الشمال السوري مشحونًا بالتوترات والخلافات التي قد تنفجر في أي لحظة وسط غياب واضح لأي جهود حقيقية لإعادة الاستقرار إلى المنطقة