حياة العمال في المحاجر .. كفاح يومي بين الموت والفقر
تحت أشعة الشمس القاسية في صحراء المنيا، يجابه العمال خطر الموت يوميًا من أجل تأمين لقمة العيش.
تتجاوز أعدادهم 200 ألف عامل، يتنفسون الغبار وينحتون الصخور بجهودهم المضنية في ظروف غير إنسانية،
بينما تُغيب عنهم التأمينات الاجتماعية والصحية، وتظل أحلامهم في الحصول على حقوقهم وحياتهم في خطر مستمر.
هؤلاء العمال الذين لا تتجاوز أجورهم 300 جنيه يوميًا، يدفعون ثمن شجاعتهم بصحتهم وأرواحهم، ليظلوا مهددين بإصابات خطيرة، وكأنهم يعيشون على حافة الموت.
عمال المحاجر، شريحة من المجتمع تعاني من نقص الحماية والرعاية، يعملون في مهنة قاسية لا تعترف بالضعيف أو المريض.
يرتبط العمل في هذه الصناعة بمخاطر جسيمة، حيث يهددهم الغبار الكثيف وآلات القطع الحادة والمعدات الثقيلة.
في غياب التأمينات اللازمة، يصبح العامل ضحية للأمراض والإصابات، دون أي عون أو تعويض من أصحاب العمل الذين يسعون لتحقيق مكاسبهم على حساب صحة العمال.
أحد هؤلاء العمال، حسن أبو علي، يحكي عن تجربته اليومية في عالم المحاجر، حيث يبدأ عمله منذ الفجر حتى الظهيرة.
رغم أنه خريج جامعة، إلا أنه لم يجد فرصة عمل في أي مجال آخر، فوجد نفسه مضطراً للعمل في أحد المحاجر لتأمين مستلزمات أسرته.
ويصف العمل بالمحاجر بأنه من أصعب المهن التي تتطلب بذل جهد كبير تحت ظروف قاسية، حيث يكافح العامل من أجل الحصول على لقمة العيش، رغم كل المخاطر المحيطة به.
يؤكد حسن أن 300 جنيه التي يتقاضاها يوميًا لا تعكس المخاطر التي يواجهها، فكل لحظة قد تحمل الإصابة أو الموت.
لا توجد أي مظلة تأمينية تحمي العامل في حال حدوث إصابة، ولا يجد الدعم من أصحاب العمل الذين يهتمون فقط بمصالحهم. ومع تزايد حوادث الإصابة، تصبح حياة العمال كفاحًا مستمرًا بين الأمل واليأس.
يحدثنا محمد أبو فتحي، وهو عامل آخر في أحد المحاجر، عن تفاصيل يومه المرهق. يبدأ العمل من الساعة الرابعة صباحًا، ويستمر حتى الواحدة ظهرًا، ثم تتجدد نوبات العمل في الفترة المسائية.
ومع استمرار العمل تحت ظروف صعبة، يبقى العامل متخوفًا من التعرض للإصابات. يروي أبو فتحي كيف فقد شقيقه أحد العمال الذي تعرض لإصابة خطيرة
ولم يتلق أي دعم من صاحب المحجر. وبعد محاولات للحصول على تعويض، كان مصيره أن يتحمل تكاليف العلاج بمفرده، بينما أصحابه يستمرون في تجاهل مصيره.
مخاطر العمل في المحاجر لا تقتصر على الإصابات الناتجة عن الآلات الحادة، بل تشمل أيضًا المخاطر الكهربائية.
الكابلات المكشوفة تهدد حياة العمال، مما يزيد من حدة الخطر الذي يواجهونه يوميًا. وبالرغم من تحذيرات النقابة والجهات المعنية،
يظل أصحاب المحاجر مستمرين في إهمال سلامة العمال، مهددين إياهم بفقدان وظائفهم إذا ما حاولوا المطالبة بحقوقهم.
تتضاعف مأساة العمال في المحاجر مع قلة الوعي العام بحقوقهم. تعاني هذه الفئة من عدم وجود أي شكل من أشكال الرعاية الصحية، مما يجعلهم عرضة للأمراض والإصابات دون أي مساعدة.
النقابة العامة للعاملين بالمحاجر والمناجم تبرز كممثل لهم، لكن التحديات التي تواجهها تبقى كبيرة.
يطالب رئيس النقابة حسن سمارة بتحسين الأوضاع وتوفير الحماية اللازمة للعمال، مؤكدًا أن هذه الفئة بحاجة ماسة للرعاية والدعم.
وفي الوقت الذي تعقد فيه اجتماعات لمناقشة مشكلات العاملين في المحاجر، يبقى الواقع على الأرض مؤلمًا.
تركز النقاشات على ضرورة تعديل القوانين المتعلقة بسّن التقاعد، حيث يتقاعد العمال عند 55 عامًا رغم طبيعة العمل القاسية التي تتطلب المزيد من الجهد والوقت. تأتي المناشدات من نواب البرلمان لتعديل القوانين، لكن دون استجابة فعالة.
عند النظر إلى الأرقام، نجد أن عدد العمال غير المنتظمين في المحاجر يتراوح بين 150 إلى 200 ألف عامل، بينما يوجد 12.5 ألف عامل مسجلين في النقابة.
يعيش هؤلاء العمال في ظروف قاسية، بلا تأمينات ولا دعم، مما يجعل حياتهم على حافة الخطر. هؤلاء الذين ينحتون في الصخور من أجل لقمة العيش، يحتاجون إلى وقفة جادة من الجهات المسؤولة لتوفير الحماية والرعاية الاجتماعية.
ويجب أن تتضاف الجهود من قبل النقابات والجهات الحكومية لتحسين ظروف العمل في المحاجر وتوفير الحماية اللازمة للعمال.
فهم لا يستحقون أن يعيشوا في خوف دائم من الإصابات والأمراض، بل يجب أن يتمتعوا بحقوقهم كأفراد يعملون بجد لتأمين مستقبل أسرهم.
إن إهمالهم وتركهم يواجهون مصيرهم بمفردهم هو جريمة في حق الإنسانية، ويجب على المجتمع بأسره أن يتحمل مسؤوليته تجاه هؤلاء العمال الذين يقاتلون من أجل البقاء.