الدعم النقدي في مصر: إنقاذ أم كارثة تطبق على الفقراء
في خطوة غير مسبوقة تعكس التحديات الاقتصادية التي يواجهها المواطن المصري، يتجه صناع القرار نحو إعادة هيكلة نظام الدعم في البلاد من دعم عيني إلى دعم نقدي، حيث ينظر الكثيرون إلى هذه الخطوة بقلق متزايد.
فمع استمرار مسلسل التضخم وارتفاع الأسعار الذي يحاصر جيوب المصريين، يسعى الخبراء إلى تحقيق ما يمكن أن يكون إنقاذًا فعليًا من مأزق اقتصادي، لكن هل ستحقق هذه التحولات الهدف المنشود أم ستكون بمثابة القشة التي ستقصم ظهر المواطن؟
في إطار خطة الحكومة لعام 2024، تم تحديد 636 مليار جنيه كفاتورة للدعم، حيث يخصص 237 مليار جنيه لدعم الخبز وحده، مما يعكس الحجم الهائل للموارد التي تُنفق على هذه العملية.
ويشير رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب إلى أن نصيب الفرد من دعم الخبز يبلغ حوالي 100 جنيه شهريًا، وهي نسبة قد تبدو ضئيلة مقارنة بالاحتياجات المتزايدة للأسرة المصرية، مما يضع المواطنين في حالة من القلق الدائم حيال ما ينتظرهم في قادم الأيام.
تاريخيًا، كان المصريون يتوافدون إلى مراكز توزيع السلع التموينية لاستلام حصصهم من السكر والزيت والمواد الأساسية التي تعتبر من متطلبات الحياة اليومية.
لكن مع استمرار ارتفاع الأسعار بشكل متسارع، أصبحت هذه السلع تمثل عنصرًا حيويًا في حياة حوالي 64 مليون مصري يمتلكون 23 مليون بطاقة تموين.
وهذا التحول من الدعم العيني إلى النقدي، الذي تم طرحه سابقًا، يعيد طرح أسئلة حرجة حول مستقبل الدعم في البلاد.
جاءت تصريحات الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، لتضيف بعدًا آخر للقلق، حيث أعلن أنه قد تبدأ عملية التحول إلى دعم نقدي مباشر للفئات الأكثر احتياجًا مع بدء العام المالي الجديد في يوليو 2025.
وهذا الاعلان يزيد من حدة المخاوف بين المصريين الذين يرون أن هذا التحول قد يكون بمثابة هدم لأسرهم، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.
بيد أن العديد من الخبراء يؤكدون أن التحول إلى الدعم النقدي قد يكون الخطوة اللازمة لضمان وصول الدعم إلى مستحقيه الحقيقيين، في ظل أن مصر هي الدولة الوحيدة تقريبًا التي لا تزال تقدم الدعم العيني.
يشير الدكتور محمد محمود، الخبير الاقتصادي، إلى أن الدعم العيني أصبح وسيلة قديمة، بينما يوفر الدعم النقدي فرصًا أكبر للحد من الفساد والتلاعب في توزيع الدعم. يركز العمدة على ضرورة دعم الأسر الأكثر فقرًا من خلال توفير مبالغ نقدية تمكنهم من شراء احتياجاتهم من السوق الحر.
من ناحية أخرى، يقر خبراء آخرون بضرورة وجود آليات واضحة لضمان نجاح هذه المنظومة الجديدة.
وبرزت الدعوات لتوفير قاعدة بيانات دقيقة، وربط قيمة الدعم بمعدل التضخم لضمان عدم تضرر الأسر الفقيرة.
ومن المتوقع أن يتواصل الحوار الوطني حول هذه القضية، مع تحديد محاور النقاش لتشمل جميع جوانب الدعم وآثاره على المجتمع.
تأتي هذه الخطوات في وقت تسعى فيه الحكومة إلى تقليل الأعباء على الموازنة العامة للدولة، حيث تمثل هذه التحولات فرصة حقيقية لمناقشة الوضع الاقتصادي في البلاد.
كما أن وجود خبراء وممثلين عن قوى سياسية واجتماعية مختلفة خلال جلسات الحوار قد يضمن تحقيق توافق حول آليات دعم المواطنين.
من جهة أخرى، طالب محمد مدكور ناشط حقوقي، الحكومة بتوفير بيانات دقيقة حول منظومة الدعم العيني لضمان الوصول إلى قرار يلبي احتياجات المواطن المصري.
وهذه المطالب تعكس ضرورة الشفافية والمشاركة المجتمعية في اتخاذ القرار، الأمر الذي سيكون له تأثير مباشر على مصير الملايين.
ومع تنامي النقاشات حول دعم الأسر، تبرز أهمية ضمان وصول الدعم إلى مستحقيه.
فقد صرح مصدر رفيع المستوي في وزارة التموين “رفض ذكر أسمه”، بأن النظام الجديد سيتطلب “غربلة” للأشخاص الحاملين لبطاقات التموين، وذلك لضمان تحديد الفئات الأكثر حاجة للدعم.
ويؤكد المصدر على أن الهدف من التحول إلى الدعم النقدي هو تحسين كفاءة التوزيع وتفادي الفساد الذي يحيط بالدعم العيني.
وليس بعيدًا عن هذا النقاش، يسلط الدكتورة فاطمة يونس، الخبيرة الاقتصادية، الضوء على أنه رغم أن الدعم النقدي يعد من الخيارات الأفضل، إلا أن نجاحه يتوقف على قدرة الدولة على السيطرة على معدلات التضخم.
وهذا يطرح سؤالًا جوهريًا حول كيفية تطبيق الدعم النقدي في ظل الأزمات الاقتصادية الحالية.
وفي سياق متصل، يبرز الدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة، أهمية التحول إلى الدعم النقدي لتحقيق مستوى أعلى من الشفافية.
يشير الفقي إلى أن ميزانية دعم الخبز في مصر تتجاوز 98 مليار جنيه سنويًا، مما يجعل من الضروري إعادة النظر في الطريقة التي يتم بها توزيع هذا الدعم. إن فكرة تقديم الدعم النقدي بدلاً من السلع قد تمثل تحولًا جذريًا في طريقة تفاعل الحكومة مع مواطنيها.
ومع هذا النقاش المتصاعد، تسعى الحكومة إلى طمأنة المواطنين بأن العمل جارٍ لضبط الأسعار وتحسين الوضع الاقتصادي.
يؤكد الدكتور شريف فاروق، وزير التموين، أن الحكومة تعمل على توفير السلع الأساسية مع مراعاة التوازن بين السوق الحرة والرقابة الحكومية.
ورغم كل هذه الجهود، يبقى السؤال مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه الخطوات ستسفر عن تحسن حقيقي في حياة المواطن المصري، أم أنها ستزيد من معاناته في ظل تزايد الأعباء الاقتصادية.
ولا يمكن إنكار أن التحول من الدعم العيني إلى النقدي يمثل نقطة تحول في سياسة الدعم بمصر،
لكن نجاح هذا التحول يتوقف على استعداد الحكومة لضمان الشفافية وتحقيق الفائدة القصوى للمواطنين.