الحرية المسلوبة: نورهان دراز في قفص الظلم والاعتقال
في زخم الأزمات والتحديات الاقتصادية التي تعصف بمصر، تبرز قصة امرأة أُسكت صوتها وأُودعت خلف القضبان بسبب كلمات كتبتها على صفحات الإنترنت،
كلمات كانت تلامس الحقيقة وواقع الناس المعيش، تلك هي نورهان أحمد دراز، التي قررت أن تفتح فمها للحديث عن ما لا يجرؤ الكثيرون على قوله.
ففي الخامس من أغسطس، اقتحمت قوات الأمن منزلها الكائن في حدائق الأهرام، لتخطفها من بين أفراد أسرتها، دون أن تترك لهم أي فرصة لفهم ما يحدث.
كانت لحظة مرعبة، إذ تحوّل هدوء الليل إلى فوضى، وعادت سيدة متقاعدة من مديرية الشؤون الاجتماعية، إلى ماضي عاصف تذكره، لكن هذه المرة تحت أعين رجال الأمن الذين لم يرحموا نداءاتها.
12 يوماً من الاختفاء القسري مرت عليها كالأبد، حيث لم يعرف أحد مكانها، وتاهت تفاصيل أيامها في ظلام حالك.
وفي يوم 17 أغسطس، ظهرت مجددًا أمام نيابة أمن الدولة العليا، لكن لم يكن ذلك ظهراً عادياً. كان تعبير وجهها، الذي كان يُظهر آثار الخوف والتعب، أكثر صراحة من أي كلام.
استجوبت وهي محاطة بسياج من الإهمال والإذلال، فقط لأنها أعربت عن رأيها في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي.
اتهامات تلاحقها كالأشباح، انضمام إلى جماعة منشأة مخالفة للقانون، تلقي تمويلات أجنبية، نشر أخبار كاذبة، واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي بشكل خاطئ.
كانت تلك التهم كافية لتسليط الضوء على الحالة الحرجة التي تعيشها البلاد، ولكنها كادت تُكلفها حريتها.
وها هي الآن، رغم معاناتها الصحية المتدهورة، تجلس في قاعة المحكمة عبر الفيديو كونفرانس، كأنها حبيسة داخل شاشة تعكس حالتها، لكن لا مجال للحديث عن آلامها، ولا مجال لمطالبتها بحقوقها.
كان تجديد حبسها مجرد إجراء روتيني، بينما حُرمت من الأدوية التي تعاني من عدم دخولها إليها، وسط رفض قاطع لإدارة السجن السماح بدخول البطاطين التي تحتاجها في ظل الظروف القاسية.
قصتها ليست مجرد واقعة عابرة في زمن مليء بالقصص المأساوية، بل هي تمثل رمزًا لملايين الأشخاص الذين يُسكت صوتهم بسبب موقفهم من السياسة أو بسبب رغبتهم في التغيير.
تعكس معاناة نورهان دراز التحديات التي تواجهها النساء في السجون، اللواتي لا يسعفهن أحد، وكأن النظام لا يرى سوى سطور دون أن يتبين ما بين تلك السطور من ألم ومعاناة.
تتحدث التقارير عن استمرار الضغوطات على المتهمين بالتعبير عن آرائهم، وتزداد المخاوف مع تجدد قمع الأصوات الحرة في المجتمع،
حيث تبرز حكاية دراز كقصة إنسانية مأسوية تتقاطع مع قضايا أكبر، تتعلق بحقوق الإنسان والحرية.
إن اعتقال نورهان أحمد دراز ليس مجرد حادثة شخصية، بل هو مثال صارخ على معاناة كل من يجرؤ على التفكير بجرأة، وعلى كل من يحمل في قلبه هموم الوطن.
إن تدهور حالتها الصحية يُلقي بظلاله على تلك الأصوات التي تحاول أن تُسمع، لكنه لن يقضي على إيمانها بحقوقها وحق الآخرين في التعبير.
في هذا السياق، يجب على المجتمع أن يستيقظ ويتحرك. يجب أن تُعطى الأصوات التي تُطالب بالعدالة الفرصة للتعبير عن آرائها، بل يجب أن تُحمى.
ومن هنا، تُصبح قصة نورهان دراز حكاية تروى في زوايا الفصول، لتكون منارة تُضيء الطريق لكل من يسعى للحرية في عالم مُظلم.
هي ليست مجرد قصة امرأة محبوسة، بل هي سرد مليء بالأمل والصمود، مواجهة الظلم بعباءة من الشجاعة،
تحمل بين طياتها صدى الآلام التي يعيشها الكثيرون، وتدعو الجميع لفتح أعينهم على الحقائق التي تحاول السلطات طمسها.
لذا، تستمر الحكاية، تستمر المعاناة، وتبقى نورهان دراز رمزًا لحقبة لم تتقبل بعد صوت الحق،
بينما لا تزال عيون الأمل تتطلع نحو غدٍ أفضل، قد يحمل في طياته الحرية والسلام، وسط أمواج من التحديات والصعوبات.