تقارير

معاناة بلا نهاية .. يوميات الألم والظلم في معهد الأورام بالقاهرة

أصبح معهد الأورام في القصر العيني بالقاهرة رمزا للمعاناة الإنسانية ولحكايات الألم التي يرويها المرضى وأسرهم يوميا بلا انقطاع المشهد هناك يجسد معاناة لا تنتهي تحت وطأة مرض

خبيث يعتبر بمثابة لعنة للعائلات ووسم للحرمان من الأمل في الحياة شلالات من الاستغاثات تتعالى وسط أروقة المعهد

بينما يتشبث المريض بأمل ضئيل يرفض أن يتركه في وجه هذه المصيبة التي تفترس أحلامه وطموحاته

في واحدة من الزوايا المظلمة لم يكن هناك شيء يعيق صرخة مأساة أخرى حيث وقفت أم مذهولة تحمل طفلتها الصغيرة ذات الثلاث سنوات التي تعاني من أعراض مرض السرطان

كانت الطفلة تعاني من ألم قوي ورغبة ملحة في البكاء الأم التي سقطت في دوامة من الصراخ «يا رب أنا تعبت خذيني وارحمني من هذا العذاب» تعبر عن حالة من الانهزام والخوف مما ينتظرها في عالم المعاناة هذا

هذا الصراخ يتكرر على ألسنة العديد من الأمهات اللواتي يقتلعهن الألم من قلوبهن وكأن الحضور لم يكن له فائدة تتسابق في خلدهم أسئلة عجزت عن إيجاد إجابات لها لماذا يحدث هذا لنا ولماذا نحن من يُستهدف؟

الأمهات يتسابقن نحو الأبواب في محاولات يائسة لدخول المعهد ولكن يبدو أن طوابير الانتظار قد وضعت أمامهن حواجز أكبر من تلك التي تحملها قلوبهن

مشهد مأساوي يتكرر كل يوم من الصباح الباكر حتى وقت متأخر من الليل في أروقة المعهد فهنا أعداد هائلة من المرضى والذين يتوقعون معجزة من الطاقم الطبي

الذي يبدو أنه محاصر في زحام لا ينتهي من الضغوط والطلبات المستمرة وكأنهم قد اعتادوا على رؤية المعاناة والموت أمام أعينهم

توجهت إلى المعهد على أمل أن يكون الوضع أفضل مما سمعت عنه لم يكن يتخيل أحد أن المعهد الذي أُقيم برعاية حكومية وبملايين الجنيهات لن يقدم أكثر من مشاهد تتجلى فيها قسوة الحياة وغلظتها

كان المشهد الأول الذي واجهني هو المرضى الذين يفترشون الرصيف مجموعة من الرجال والنساء الذين بدا عليهم التعب والإرهاق الجسدي والنفسي من الانتظار ورغم ذلك لم تفارقهم ابتسامة خفيفة تعكس تحديهم لهذه الظروف الصعبة

يتكرر المشهد بين صفوف طويلة من المراجعين منهم من يتلقى العلاج داخل أسوار المعهد ومنهم من يتمنى الحصول على فرصة لدخول هذه البوابات الحديدية الموصدة في وجوههم وضعت الممرات العامة كغرف انتظار لجرحى من طيف الحياة مروا من هنا وتلقوا نفس المآسي

محسن محمد أحد هؤلاء المراجعين الذي تجاوز الخمسين من عمره يتحدث بحسرة ووجع يروي قصة كفاحه في مواجهة المرض وعجزه عن الحصول على حقه في العلاج أتى من مدينة بنها بآمال كبيرة ولكنها تصطدم بجدران الإهمال التي تحكمت في المكان

حيث يصرخ العاملون في وجهه «اذهب وابحث عن مكان آخر انتظر حتى يخف الضغط عنا» وكأنهم يتعاملون مع حيوانات لا مع بشر

يتزاحم المرضى على الأبواب وكأنهم يتسابقون لانتزاع حصة من الأمل المفقود العيون جاحظة تتعلق بالموظفين وهم يهرعون بين أروقة المعهد

الكل هنا ينظر بعين من الخوف والقلق والكل يتوقع ما سيحصل له في قادم الأيام حتى الذين في حالة من الهدوء أمام الكاميرات لا يبدون مطمئنين

بجانب محسن يجلس رجل آخر في السبعينات من عمره يتذكر كيف كان يأتي إلى هنا بحثاً عن العلاج وكان ينتظر بفارغ الصبر لكنه الآن لم يعد لديه أي أمل في الحصول على خدمة تليق بإنسانية المرضى

يتحدث بصوت خافت عن فترات الانتظار الطويلة والإحباط الذي رافقه على مدى سنوات ويؤكد أن الوضع لم يتغير بل يزداد سوءا يوماً بعد يوم

تحت أسقف المعهد تتصاعد صرخات الألم والعذاب ولا يتوقف صدى الأنين هنا بل يسمع أيضًا في زوايا الانتظار

حيث أمّهات تحملن أطفالهن المرضى ويخطفن أنفاسهم في معاناة ممزوجة بالأسى حيث تمسح العيون دموع الخوف بينما يستقبلن أملاً مفقوداً

تلك الصور القاسية لا تقتصر فقط على المرضى بل تمتد إلى أهاليهم الذين باتوا يحاولون تحمل الصدمة بعد صدمة

حيث أن القلوب المثقلة بالهموم تتعرض لمزيد من التجارب القاسية بسبب إهمال العلاج والضغط النفسي المستمر ظلت الأرواح تتحسر على غياب المسؤولية والضمير أمام هذه الكارثة الإنسانية

وأما داخل أروقة المعهد حيث العيادات المخصصة للأطفال يقف الأهل في صفوف طويلة يتطلعون إلى باب ينتظرون انفتاحه بينما تنتشر رائحة البؤس في الأجواء

حيث تسود حالة من الفوضى وعبوس الوجوه الكل ينظر باستغراب إلى سلوك العاملين الذين يبدون في حالة من اللامبالاة وكأنهم قد فقدوا الأمل أيضًا

داخل غرفة الانتظار التي لا تُطاق حيث تتداخل الصرخات والأحزان يتكرر المشهد المروع ويتجلى فيه مشهد مأساوي لطفلة صغيرة تجلس بمفردها تحت نظرات قاسية من الأهل والموظفين تردد العبارات التي تشي ببراءتها وعجزها في مواجهة الواقع القاسي «بابا أين أنت» لم تكن قد رأت والدها منذ فترة طويلة ولكن كان من الصعب عليها أن تفهم لماذا هذا يحدث

بينما كان والديها يتجهان إلى المعهد لدفع تكاليف العلاج أو للحصول على موعد جديد بدلاً من التأمل في المعاناة المحيطة بهم

لكن الواقع يؤلم بينما تتقافز أوجاع القلب إلى الأذهان لا مفر أمامهم من مواجهة الموت البطيء بينما يتحولون إلى مجرد رقم في سجلات المعهد

تختفي عوالم الأمل شيئاً فشيئاً وبدلاً من ذلك تظهر معالم اليأس في انتظار الطبيب الذي لن يأتي أو الذي ربما لن يجد حلاً لمشكلتهم الصحية بينما يجلس الجميع في صمت مؤلم يترقبون

يقول أحد المرضى في موقف محبط لا يطاق «نحن نعيش في كابوس لا ينتهي» ويعكس ذلك حقيقة أن الكثيرين ممن يعانون من السرطان يجدون أنفسهم عالقين في دائرة مفرغة من المعاناة بينما يكافحون لإيجاد العلاج المناسب في غياب الرعاية الصحية

ينتشر في زوايا المعهد شعور بالإحباط حيث يزداد اليأس ويفتقد المرضى إلى الحد الأدنى من الرعاية الصحية المتوقعة في معهد الأورام يتحول المكان إلى ساحة لا تمثل أي فائدة للمرضى الذين يشعرون بأنهم في معركة لا تنتهي

وفي ظل هذه الكارثة الإنسانية لا بد أن نتساءل لماذا يتم تجاهل حقوق المرضى؟ كيف يمكن أن تُترك هذه المعاناة بلا معالجة من المسؤولين؟

إنه من المؤلم أن ندرك أن الوضع يتطلب تدخلاً عاجلاً وفعلاً شجاعًا لإنقاذ حياة أولئك الذين يكافحون من أجل البقاء

التقارير الطبية تؤكد ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في مصر حيث يُسجل سنويًا ما يقرب من 135 ألف حالة جديدة

بينما يعالج معهد الأورام بقصر العيني حوالي ربع عدد المصابين ولكن يبقى السؤال الملح هل تكفي هذه الأعداد لمواجهة هذا المرض اللعين؟

إن التحديات التي تواجه نظام الصحة في مصر أكبر من أي وقت مضى ويجب أن يكون هناك استجابة سريعة وفعالة للتغلب على هذه العقبات

حيث يتعاظم الإهمال الطبي والمماطلة في تقديم الرعاية اللازمة للمحتاجين لذلك يتعين على الجميع أن يتحركوا للحد من هذه المآسي والبحث عن الحلول المناسبة

أمام عتبات المعهد يتزايد عدد المرضى بشكل مخيف ويستمر التوافد على الأبواب المغلقة في انتظار لحظة قد تأتي أو لا تأتي

فيما يسود شعور بالخوف وعدم الاستقرار بينما يتقلب المرضى بين الأمل واليأس هل سنشهد تغييرات حقيقية تنهي معاناتهم؟

إن مأساة هؤلاء المرضى وأسرهم تستدعي التحرك الجاد من قبل السلطات المعنية خاصة مع استمرار التصاعد في عدد الحالات الجديدة من السرطان يحتاج المجتمع بأسره إلى التكاتف لتخفيف وطأة المعاناة المستمرة ولتحقيق العدالة الصحية التي يستحقها كل فرد

لنقف جميعًا لنواجه هذه التحديات ولنرفع صوت المرضى الذين يئنون من آلامهم كل يوم فالعالم يتجه نحو أفق مظ

لم إن لم نتحد جميعًا لإنهاء هذه المعاناة يجب أن نكون جزءًا من الحل ونسعى جاهدين لتغيير هذا الواقع الأليم لنحارب معًا من أجل حقهم في الحياة والشفاء في بيئة إنسانية تليق بهم

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى