مقالات ورأى

د. أحمد أويصال يكتب : التغيير الاجتماعي من الداخل في العهد الرقمي

التغيرات الاجتماعية تنشأ من تفاعل عدة عوامل مثل التطور التكنولوجي، التحولات في الاقتصاد، القيم الثقافية، السياسة، الحروب، والتعليم. في عصرنا الحالي، نشهد تأثير هذه العوامل على مجتمعاتنا.

ومن المنظور القرآني، يبدأ التغيير الاجتماعي من داخل المجتمع نفسه. بعض الفئات الاجتماعية تسعى جاهدة لإحداث تحولات اجتماعية وثقافية، بينما تعمل فئات أخرى على مقاومة هذه التغيرات. تلعب الحركات الاجتماعية دورًا رئيسيًا في تجاوز القيود التي تفرضها وسائل الإعلام التقليدية،

ومع تزايد التقدم التكنولوجي، تتشكل ديناميات جديدة تسهم في تسريع التغيير الاجتماعي وتعميقه.

في ظل التغيرات الكبرى التي تشهدها المجتمعات، تحاول الحركات الاجتماعية هذه المجموعات إقناع الآخرين بتبني وجهة نظرها للعالم والتصرف وفقًا لمعتقداتها من خلال الدعاية. يُسهم الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية في تسهيل هذه العملية، لكنه في الوقت ذاته يزيدها تعقيدًا. نظرًا لأن الإنترنت يتجاوز الحدود الوطنية والتقاليد الثقافية،

فإن تأثير رياح التغيير يمتد إلى كل المجتمعات حول العالم، لكن درجة التأثير تختلف من مجتمع لآخر. وتتمتع المجتمعات أو المجموعات التي تمتلك وصولاً إلى التقنيات الرقمية بمزايا أكبر في مواجهة التحديات الناشئة مقارنةً بتلك التي تفتقر إلى هذه الأدوات.

من طبيعة البشر أن تسعى كل مجموعة إلى نشر رؤيتها للعالم، سواء كانت دينية أو أيديولوجية أو ثقافية. تستخدم هذه المجموعات الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية إما بشكل إيجابي أو سلبي، اعتمادًا على موقعها ومصالحها. تمتلك النخب موارد كبيرة للترويج لأجنداتها، بينما تعاني الحركات الشعبية من محدودية الموارد لدعم سياسات أو أجندات ثقافية معينة. في الماضي،

كانت الفئات الغنية وذات النفوذ تسيطر على وسائل الإعلام التقليدية مثل الصحف والإذاعة والتلفزيون. أما اليوم، فقد أصبح الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أدوات متاحة لكل من النخب والحركات الشعبية، مما يتيح للجميع فرصة أكبر لنشر أفكارهم والتأثير على الجمهور.

* تستخدم الحركات الشعبية الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية بطرق متعددة وفعّالة. تُعتبر الشبكات الاجتماعية مثل تويتر، وفيسبوك، وإنستغرام، وتيليجرام، وحتى مجموعات واتساب، أدوات قوية لنشر المعلومات والدعاية.

على سبيل المثال، تمثل حركة دعم غزة تجسيدًا لهذا الانتشار العالمي، حيث تمكنت من إيصال رسالتها إلى مختلف أنحاء العالم مما يسهل تداول المعلومات والصور ومقاطع الفيديو لأغراض الترفيه والدعاية على حد سواء

. يستخدم المحتجون هذه الوسائل لجذب الانتباه وإقناع الجمهور والحكومات، مما يعكس تأثير الإنترنت العميق في تعزيز الحركات الشعبية وتوسيع نطاقها.

تعتبر هذه المنصات غير مكلفة، مما يمكّن أي مجموعة من استخدامها للعثور على المؤيدين والمتعاطفين وحتى الرعاة. في الماضي، كانت الحركات الاجتماعية بحاجة إلى منظمة مركزية وقيادة قوية لتحقيق أهدافها المرجوة،

لكن اليوم يمكن للمجموعات المجزأة واللامركزية أن تعمل على إحداث التغيير الاجتماعي. من خلال الإنترنت، تستطيع هذه المجموعات تنظيم علامات التصنيف (الهشتاج) والعرائض الإلكترونية واستطلاعات الرأي وجمع التبرعات.

 تعتبر علامات التصنيف (الهشتاج) والمواضيع الشائعة على وسائل التواصل الاجتماعي أدوات هامة جدًا للدعاية وزيادة الوعي بشكل غير مسبوق. كما أن العديد من الأشخاص يولون اهتمامًا كبيرًا لهذه المواضيع الشائعة، سواء في المجال السياسي أو الترفيهي.

أنتجت منصات وسائل التواصل الاجتماعي فئات جديدة من الفاعلين الاجتماعيين، مثل المؤثرين والمدونين واليوتيوبر ومنشئي المحتوى، الذين يتمكنون من خلق مواضيع رائجة (أجندات) أو تعزيز المواضيع الحالية التي تقترحها الحركات الاجتماعية.

تتيح التقنيات الرقمية الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي، لهذه المجموعات الناشئة استخدام الإحصائيات والبيانات بشكل فعال، مما يساعدها على تحقيق أهدافها من خلال أساليب علمية. في بعض الأحيان،

تكشف هذه المجموعات عن بيانات حساسة لإحراج الحكومات، كما فعلت ويكيليكس، مما يساهم في تقديم سرد بديل للأحداث بعيدًا عن الروايات الرسمية.

بالطبع، لا تقتصر الأنشطة الرقمية على الجوانب الإيجابية،

إذ تسعى بعض المجموعات لتحقيق أهداف سلبية. حيث تلجأ بعض الحركات إلى اختراق المؤسسات الحكومية أو سرقة المعلومات الشخصية من أجل نشر دعايتها. كما تستخدم جماعات الضغط الكبيرة حسابات مزيفة لدعم أجندتها، مثل حركة المثليين على المستوى العالمي.

إضافة إلى ذلك، تحاول بعض الدول التأثير على الأجندات الرائجة إما من خلال التعاون مع شركات التواصل الاجتماعي أو بتوظيف عدد كبير من الحسابات المزيفة والمؤثرين والمدونين. من جهة أخرى، تظهر شركات التواصل الاجتماعي انتقائية في دعم أو منع مواضيع معينة، وغالبًا ما تتجاهل خطاب الكراهية في بعض اللغات المحلية،

مما يؤدي إلى تصاعد التوترات العرقية والدينية، كما شهدنا في صراع تيغراي. يظهر النضال من أجل التغيير الاجتماعي في جهود السكان المحليين عند تقاطع الفاعلين المحليين والدوليين باستخدام أدوات عالمية.

المصدر الشروق

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى