في الآونة الأخيرة، أثارت تصريحات وزيرة الخارجية الألمانية، التي فسرت دفاع إسرائيل عن النفس في مواجهتها للأعمال الإرهابية كتبرير محتمل لاستهداف المدنيين، صدمة أخلاقية وقانونية عميقة. إذ لا يمكن لتبرير هجوم يستهدف المدنيين بأي شكل أن يتماشى مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني، ولا مع القيم الإنسانية التي تقوم عليها المعاهدات والاتفاقيات التي تتطلب حماية المدنيين في النزاعات المسلحة.
الدفاع عن النفس لا يبرر استهداف المدنيين
من منظور القانون الدولي، حق الدفاع عن النفس معترف به بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وهو جزء أساسي من سيادة الدول وحقها في حماية نفسها من التهديدات. ومع ذلك، الدفاع عن النفس لا يعطي تفويضًا مطلقًا لخرق القواعد التي تنظم السلوك في الحروب، خاصة فيما يتعلق بحماية المدنيين.
القانون الدولي الإنساني، الذي يُعتبر اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاتها الأساسية، وضع قيودًا صارمة على ما يمكن أن تقوم به الدول أثناء النزاعات. من بين تلك القيود، نجد مبدأ التمييز الذي يلزم الأطراف المتحاربة بالتمييز بين المدنيين والمقاتلين، ومبدأ التناسب الذي يمنع استخدام القوة العسكرية بشكل يؤدي إلى خسائر غير مبررة في صفوف المدنيين أو إلحاق أضرار كبيرة بالبنية التحتية المدنية. وفقًا لهذه المبادئ، حتى لو كان هناك هدف عسكري مشروع، يجب أن يكون استخدام القوة متناسبًا مع الفائدة العسكرية المتوقعة، وليس على حساب حياة الأبرياء.
سقوط أخلاقي يهدد المصداقية
تبرير الهجمات على المدنيين بذريعة الدفاع عن النفس ليس فقط مخالفة واضحة للقانون الدولي، بل هو أيضًا سقوط أخلاقي يهدد المبادئ الأساسية التي تحكم العلاقات الدولية. لا يمكن لأي دولة تدعي التزامها بحقوق الإنسان والقيم الإنسانية أن تبرر القتل العشوائي للأطفال، النساء، والمرضى، أو تدمير المدارس والمستشفيات. هذا الموقف يتجاهل جوهر الكرامة الإنسانية ويهدد الأسس التي قامت عليها الاتفاقات الدولية التي تهدف إلى حماية الأرواح البشرية خلال النزاعات المسلحة.
الدول الديمقراطية، بما في ذلك ألمانيا، يُتوقع منها أن تكون في مقدمة من يدافع عن هذه القيم، لا أن تبرر أو تتغاضى عن الانتهاكات التي تتعارض مع أبسط قواعد العدالة والإنسانية.
المسؤولية الأخلاقية والسياسية
عندما تقدم شخصية حكومية تصريحًا يبدو أنه يضفي الشرعية على استهداف المدنيين، فإن هذا لا يؤثر فقط على سمعة تلك الدولة، بل يُحملها مسؤولية أخلاقية تجاه الجرائم والانتهاكات التي قد تقع نتيجة لهذا التبرير. تصريحات كهذه تُفسر على أنها دعم غير مباشر لخرق القانون الدولي الإنساني، وتفتح الباب أمام تدهور في المعايير الأخلاقية والسياسية للدولة.
إضافة إلى ذلك، يمكن لمثل هذه التصريحات أن تضع ألمانيا في مواجهة مباشرة مع المؤسسات الدولية التي تسعى إلى حماية حقوق الإنسان، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية ومجلس حقوق الإنسان. بل وقد تدفع منظمات المجتمع المدني لتسليط الضوء على هذا التناقض بين تصريحات مسؤولي الدولة والتزاماتها القانونية والأخلاقية على الساحة الدولية.
ما هي النتائج والتبعات ؟
تصريحات وزيرة الخارجية الألمانية لا تعكس فقط موقفًا مقلقًا في السياسة الخارجية، بل تؤدي أيضًا إلى فقدان الثقة الدولية في مدى التزام الدول الغربية بالقوانين الدولية. المجتمع الدولي يعتمد على التمسك الصارم بمبادئ القانون الدولي الإنساني لضمان حماية المدنيين والحد من الفظائع في النزاعات المسلحة. تبرير الانتهاكات باسم الدفاع عن النفس يهدد بتقويض هذا النظام بأسره.
علاوة على ذلك، مثل هذه التصريحات تُضعف موقف ألمانيا كدولة داعمة لحقوق الإنسان، وقد يُنظر إليها كدولة تتجاهل الأطر القانونية التي تسعى لحماية المدنيين في الحروب. هذا لا يضعف فقط مصداقيتها الدولية، بل قد يؤثر سلبًا على قدرتها على لعب دور فعال في السعي إلى السلام وحل النزاعات بالطرق الدبلوماسية.
في النهاية، الدفاع عن النفس لا يمكن أن يكون مبررًا للقتل العشوائي أو استهداف المدنيين. على الدول، وخاصة تلك التي تدعي التزامها بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، أن تظل متمسكة بالقانون الدولي الإنساني. على ألمانيا، كما هو الحال مع جميع الدول، مسؤولية أخلاقية وسياسية تجاه التزامها بحماية المدنيين وضمان عدم الترويج أو التبرير لانتهاكات حقوق الإنسان في أي ظرف كان.