تقاريرذاكرة التاريخ

ما لا تعرفه عن أمير الشعراء أحمد شوقي في ذكرى ميلاده الـ 156

في ذكرى ميلاد الشاعر الخالد أحمد شوقي، نستحضر مسيرة أحد أعظم رموز الأدب العربي الحديث، الذي وُلِد في 16 أكتوبر 1868، واستمر تأثيره عميقًا على الأجيال.

أحمد شوقي هو أمير الشعراء الذي مزج بين عبقرية الشعر العربي وتفرد الرؤية الفنية.

وفي هذه الذكرى، موقع “أخبار الغد” يسلط الضوء على محطات حياته المدهشة والمليئة بالإنجازات،

وكيف تمكن من تحويل مسار الشعر العربي إلى آفاق جديدة، ليظل حتى اليوم رمزًا حيًا للإبداع الشعري والنهضة الثقافية.

أحمد شوقي وُلِد في حي الحنفي بالقاهرة، في أسرة تجمع بين أصول شركسية ويونانية تركية، وفقًا لبعض المصادر، وأخرى تذكر أن والده كان كرديًا.

كان لجدته لأمه دور رئيسي في تنشئته، حيث كانت وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، ما أتاح له العيش في بيئة غنية ثقافيًا واجتماعيًا.

في سن مبكرة، التحق بكُتّاب الشيخ صالح، وهناك حفظ بعضًا من القرآن وتعلم القراءة والكتابة، ليتضح منذ الصغر نبوغه وتميزه.

بعد ذلك، التحق شوقي بمدرسة المبتديان الابتدائية، وحصل على إعفاء من المصروفات المدرسية بفضل تفوقه الدراسي.

هذا التفوق لم يكن محصورًا في الجانب الأكاديمي فقط، بل كان لشغفه بالشعر العربي أثر كبير في نمو موهبته الشعرية منذ نعومة أظافره.

قرأ شوقي دواوين كبار الشعراء وحفظها، وهذا ما ساهم في انسياب الشعر على لسانه بشكل طبيعي ومبكر.

التحق أحمد شوقي بمدرسة الحقوق عام 1885، وكان انتسابه لقسم الترجمة فيها حدثًا مهمًا في تشكيل مساره الفكري.

لاحظ أساتذته موهبته الشعرية، لا سيما الشيخ محمد البسيوني، الذي رأى في شوقي نواة شاعر عظيم.

لكن مسيرة شوقي التعليمية لم تقف عند هذا الحد، بل أرسله الخديوي توفيق إلى فرنسا لمتابعة دراسته، وفي فرنسا، بين عامي 1889 و1893، تشكلت رؤيته الفكرية والإبداعية.

في باريس، احتك شوقي بأدباء وفنانين كبار وتأثر بالثقافة الفرنسية، وخاصة بشعراء مثل راسين وموليير.

لكن رغم تأثره بالأدب الغربي، ظل قلبه معلقًا بالشعر العربي وأبطاله الكبار، وفي مقدمتهم المتنبي.

خلال وجوده في أوروبا، أسس مع زملاء البعثة “جمعية التقدم المصري”، التي كانت تساهم في المقاومة الوطنية ضد الاحتلال البريطاني.

علاقته مع الزعيم الوطني مصطفى كامل كانت أحد أوجه هذا التوجه الوطني لشوقي، حيث اشتركا في مشروعات النهضة المصرية.

لم يكن شوقي بعيدًا عن قضايا مصر حتى وهو في المنفى. نفته السلطات البريطانية إلى إسبانيا عام 1914 بسبب مواقفه السياسية المعادية للاستعمار الإنجليزي.

خلال فترة نفيه التي امتدت لأربع سنوات، تأثر شوقي بشدة بالأدب الأندلسي وحضارة المسلمين في الأندلس،

وألقى الضوء في العديد من قصائده على تلك الحقبة المزدهرة من التاريخ الإسلامي. عاد شوقي إلى مصر عام 1920، ومع عودته، عاد نشاطه الإبداعي والثقافي بصورة أكبر.

في عام 1927، تلقى أحمد شوقي التكريم الأعظم عندما تمت مبايعته “أميرًا للشعراء” في مهرجان ضخم بالقاهرة، بحضور شعراء كبار من أنحاء العالم العربي، مثل خليل مطران وحافظ إبراهيم.

كان هذا الحدث تكريمًا لقامته الأدبية وأثره الكبير في تطوير الشعر العربي. حافظ إبراهيم، الذي كان صديقًا مقربًا لشوقي،

ألقى قصيدة بهذه المناسبة واصفًا شوقي بأنه “أمير القوافي”، وهي لحظة مؤثرة جعلت شوقي يبكي تأثرًا، كما تذكر الشهادات التاريخية.

شوقي لم يتوقف عند الشعر التقليدي، بل كان له دور ريادي في تأسيس المسرح الشعري باللغة العربية.

ومن أبرز أعماله المسرحية “مصرع كليوباترا” و”قمبيز” و”مجنون ليلى” و”علي بك الكبير”، التي شكلت نقلة نوعية في الأدب المسرحي العربي.

كان لشوقي فضل كبير في إحياء هذا الفن الذي لم يكن شائعًا في الأدب العربي من قبل.

إلى جانب الشعر والمسرح، كانت هناك جانب آخر من إسهامات شوقي يتمثل في أعماله الأدبية ذات الطابع الاجتماعي والوطني.

لقد كان صوتًا حيويًا يدافع عن حقوق الإنسان ويهاجم الاحتلال البريطاني بجرأة في قصائده.

تناول شوقي قضايا عديدة تتعلق بالتعليم، والأخلاق، والسياسة، ومشاكل عصره الاجتماعية، وأفرد جزءًا كبيرًا من شعره لتوجيه النصائح والحكم، مما جعله من الشعراء القلائل الذين دمجوا بين فن الشعر والرسائل الأخلاقية.

ولعل من أشهر ارتباطات شوقي تلك التي جمعته بموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، الذي غنى له أكثر من 20 قصيدة.

من بين هذه القصائد، كتب شوقي قصائد بالعامية خصيصًا لعبد الوهاب، مما يعكس مدى تأثير شوقي على تطور الغناء العربي الكلاسيكي في ذلك الوقت.

ومن أشهر الأعمال التي غنتها أم كلثوم من كلمات شوقي، قصيدة “سلوا قلبي”، التي تميزت برومانسيتها العالية وقوة تعبيرها الشعري.

عندما نتحدث عن شعر شوقي، لا يمكننا تجاهل ديوانه “الشوقيات”، الذي يُعد من أهم الدواوين في الشعر العربي الحديث.

هذا الديوان، الذي صدر الجزء الأول منه عام 1898، تضمن مجموعة من أجمل قصائده في مختلف المواضيع، من مدح ورثاء وحكمة ودين وسياسة.

وكان لتفرده أسلوبًا خاصًا في التعبير عن مشاعره، حتى في الأغراض الشعرية التقليدية، فهو لم يكن يكتفي بمجرد تناول المواضيع، بل كان يغوص في أعماقها ليقدم للمتلقي رؤية جديدة، تتسم بالعمق والوضوح.

شوقي لم يقتصر شعره على المدح والرثاء، بل كتب في كل الأغراض الشعرية، من وصف وغزل إلى تصوير الطبيعة والتاريخ.

وبرز شعره في تصوير الفواجع والمآسي بأسلوب يجمع بين عمق العاطفة ودقة التصوير، كما في مرثياته العديدة.

ومع أنه كان يتبع أحيانًا أسلوب التقليد للشعراء القدامى، إلا أنه كان يضفي دائمًا لمسته الخاصة على المواضيع التي يتناولها، مما جعله في طليعة المجددين في الأدب العربي.

في أكتوبر 1932، توفي أحمد شوقي بعد حياة مليئة بالعطاء، لكنه ترك إرثًا أدبيًا خالدًا. حتى اليوم،

وبعد مرور 92 عامًا على رحيله، لا يزال أحمد شوقي يحظى بمكانة رفيعة في الوجدان العربي، فقد استطاع أن يجمع بين أصالة التراث الشعري العربي وحداثة التعبير عن القضايا المعاصرة.

علاقته العميقة بالثقافة العربية والفرنسية، واطلاعه الواسع على التراث الأندلسي والتاريخ الإسلامي، ساهم في صياغة هويته الشعرية الفريدة.

وكما تميز بالقدرة الفائقة على استخدام اللغة العربية بشكل متفرد، كان أيضًا مثقفًا واسع الاطلاع في شتى المجالات، مما انعكس في شعره الذي ضم العديد من الإشارات التاريخية والثقافية الدقيقة.

في السنوات الأخيرة من حياته، بنى شوقي بيتًا في الجيزة أطلق عليه اسم “كرمة ابن هانئ”، الذي تحول فيما بعد إلى متحف يحمل اسمه،

ليكون شاهدًا حيًا على إبداعه الأدبي. وقد أوصى شوقي قبل وفاته أن يُكتب على قبره بيتان من قصيدته الشهيرة “البردة

يَـا أَحْـمَـدَ الْـخَـيْـرِ، لِـي جَـاهٌ بِـتَـسْـمِـيَـتِـي وَكَــيْـفَ لَا يَـتَـسَـامَـى بِـالـرَّسُـولِ سَـمِـي؟

إِنْ جَــلَّ ذَنْــبِــي عَــنِ الْــغُـفْـرَانِ لِـي أَمَـلٌ فِـي اللـهِ يَـجْـعَـلُـنِـي فِـي خَـيْـرِ مُـعْـتَـصَمِ

تظل ذكرى ميلاد أحمد شوقي فرصة للتأمل في عبقريته الشعرية وتأثيره الذي امتد لعقود طويلة بعد رحيله،

فأمير الشعراء سيظل حاضرًا في كل بيت عربي، وشعره سيظل نبراسًا ينير درب الأدب العربي الحديث.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى