في تطور غير متوقع كشف البنك المركزي عن تراجع كارثي في حجم الدين الخارجي لمصر ليصل إلى 152.9 مليار دولار بنهاية يونيو 2024 بعد أن كان 168.034 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2023.
هذا التراجع في حجم الدين يأتي وسط ظروف اقتصادية معقدة وظروف إقليمية مشتعلة مما يفتح الباب أمام تساؤلات لا تنتهي حول قدرة الحكومة على التعامل مع الأزمة المالية المتفاقمة التي تهدد الاستقرار الاقتصادي للبلاد في الأجل القريب والبعيد.
التقرير الصادر عن البنك المركزي لم يترك مجالًا للشك بأن الدين الخارجي طويل الأجل شهد انخفاضًا حادًا حيث بلغ 126.8 مليار دولار بنهاية يونيو مقابل 138.551 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2023
هذا التراجع في الديون طويلة الأجل يسلط الضوء على عجز الحكومة الواضح في الحفاظ على الاستقرار المالي ويعكس التحديات الجسيمة التي تواجهها الحكومة في إدارة مواردها الاقتصادية المتاحة
وعلى صعيد آخر سجلت الديون قصيرة الأجل تراجعًا أيضًا لتبلغ 26.24 مليار دولار مقابل 29.482 مليار دولار بنهاية نفس الفترة وهو ما يضيف أعباء إضافية على كاهل الاقتصاد المصري في ظل التوقعات المستقبلية القاتمة.
ولعل ما يزيد الطين بلة أن أرصدة الديون الخارجية المستحقة على الحكومة قد تراجعت بشكل حاد لتصل إلى 80.178 مليار دولار مقابل 84.849 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2023
هذا الانخفاض رغم أنه قد يبدو في ظاهره إيجابيًا إلا أنه يشير بوضوح إلى تحديات تمويلية ضخمة تواجه الحكومة وتضعها في مواجهة صعبة أمام التزاماتها الخارجية المتزايدة مع مؤسسات التمويل الدولية والدائنين الأجانب.
وبينما يعاني الاقتصاد المصري تحت وطأة الديون والتراجع المستمر في مصادر النقد الأجنبي يطل شبح التضخم من جديد بعد فترة من التراجع استمرت خمسة أشهر حيث عاود التضخم السنوي في مدن البلاد الارتفاع في أغسطس الماضي
ليصل إلى 26.4% خلال شهر سبتمبر مقارنة بـ26.2% في أغسطس وهو ما يزيد الضغوط على المواطنين الذين يعانون بالفعل من ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية بشكل مزمن
وفي هذا السياق أفادت مصادر مصرفية بأن لجان الأصول والخصوم بالبنوك العامة تدرس بشكل دوري إعادة تسعير منتجاتها الادخارية
ورغم تلك المراجعات الدورية إلا أنه لم يتم تحديد موعد واضح لخفض الفائدة أو إلغاء الشهادات مرتفعة العائد حتى اللحظة وخاصة مع عودة التضخم للارتفاع بشكل مفاجئ.
وفي ضربة أخرى وجهتها الأوضاع الاقتصادية للبورصة المصرية تعرضت الأسواق المالية لخسائر فادحة بلغت قيمتها 60 مليار جنيه خلال جلستي الخميس والأحد الماضيين ما يعادل 1.2 مليار دولار هذه الخسائر الحادة
جاءت نتيجة التوترات الجوسياسية في المنطقة التي دفعت المستثمرين الأجانب إلى موجة بيع كبيرة مما ساهم في تعميق الأزمة المالية التي تعيشها مصر منذ فترة ليست بالقليلة
ورغم استعادة البورصة جزءا من خسائرها خلال جلسة الإثنين الماضي بقيمة 17 مليار جنيه أي ما يعادل 349.8 مليون دولار بعد أن أبقت مؤسسة فوتسي راسل على بورصة مصر ضمن فئة الأسواق الناشئة الثانوية
إلا أن ذلك لا يمثل سوى بصيص أمل ضئيل في ظل عاصفة اقتصادية قوية تهدد بإغراق الأسواق.
وقبل أن تشتعل الأزمة أكثر جاءت تصريحات رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي لتزيد من تعقيد المشهد
حيث صرح خلال مؤتمره الصحفي الأسبوعي بأن الحكومة تدرس عدة سيناريوهات للتعامل مع التطورات الإقليمية الخطيرة التي تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد المصري
مؤكدًا أن ارتفاع أسعار البترول بنسبة 10% في أسبوع واحد فقط ليتجاوز 80 دولارًا للبرميل يمثل تحديًا كبيرًا للاقتصاد المصري الذي يعتمد بشكل كبير على استيراد الوقود والطاقة
وفي إشارة مقلقة أضاف مدبولي أن حكومته لم تتخذ أي إجراءات استثنائية حتى الآن رغم التوترات الإقليمية ولكنه أقر بأن أي اندلاع لحرب إقليمية في المنطقة سيكون له تداعيات شديدة على مصر مما سيضطر الدولة للانتقال إلى ما وصفه باقتصاد الحرب.
إن هذا التصريح وحده كفيل بإثارة القلق حول مدى جاهزية الاقتصاد المصري لمواجهة أي صدمات خارجية إضافية خاصة في ظل النزيف المستمر في احتياطيات النقد الأجنبي وارتفاع معدل التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية بشكل متسارع.
الأوضاع الاقتصادية في مصر تقف الآن على حافة هاوية خطيرة وإذا لم تتخذ الحكومة إجراءات جذرية وسريعة
فقد تجد نفسها في مواجهة مباشرة مع أزمة لا يمكن التنبؤ بنتائجها الفورية والمدمرة قد تكون الأيام القادمة حاسمة للغاية في تحديد مصير الاقتصاد المصري في مواجهة هذه التحديات الهائلة التي تتوالى من الداخل والخارج على حد سواء