تقارير

بيع التاريخ: قناة السويس تتخلى عن إرثها لأجل الفنادق العالمية

هيئة قناة السويس تجدد التأكيد على عدم صحة الأنباء المتداولة حول بيع مبنى القبة التاريخي الكائن في محافظة بورسعيد والمطل على المجرى الملاحي للقناة والذي يعد من أبرز المعالم المعمارية التي تروي تاريخ القناة وتدير حركة الملاحة.

تلك الأنباء جاءت بعد بلاغ رسمي قدمه رئيس مركز التراث والتنسيق الحضاري إلى منظمة اليونسكو لحماية هذا المعلم الأثري من الوقوع تحت طائلة الخصخصة. ما يحدث الآن ليس مجرد إعادة هيكلة بل هو تحول خطير ومفزع.

فقد أُشير إلى أن محافظ بورسعيد والفريق رئيس هيئة قناة السويس عقدا اتفاقًا مع مجموعة فنادق عالمية “IHG HOTELS & RESORTS” وشركة مكسيم للفنادق والمنتجعات لإدارة المبنى وتحويله إلى فندق يضم سبعين غرفة.

هذا التوجه يثير قلق الكثيرين، حيث يعتبره البعض خطوة مدروسة نحو تفكيك التراث المعماري المصري لصالح استثمارات قد لا تعكس قيمة هذا الإرث العظيم.

وأضاف رئيس هيئة قناة السويس الذي يملك ملف إدارة الهيئة، صرح بأن مشروع تطوير مبنى القبة التاريخي يهدف إلى جعل الموقع السياحي جذابًا،

مؤكدًا على ضرورة الحفاظ على التراث المعماري والأثري، ولكن الكل يتساءل: هل من الممكن أن تتوافق فكرة تحويل موقع تاريخي إلى فندق مع قيمته المعمارية والثقافية؟

إن تأكيدات الهيئة حول وجود ضرورة ملحة للقيام بأعمال الترميم ليست سوى محاولة لتبرير هذا المشروع المثير للجدل.

حيث بدأ إخلاء المبنى منذ ثلاث سنوات، ولكن على الرغم من ذلك، فإن أعمال التطوير لم تبدأ بعد، مما يفتح المجال للعديد من الشكوك حول النوايا الحقيقية وراء هذا التحرك.

الأمر يبدو وكأنه محاولة للإبقاء على واجهة ترميمية بينما يتم التحضير لخطوة تحويل المبنى إلى فندق سياحي.

أعمال الإخلاء تم تنفيذها بشكل تدريجي لضمان عدم تأثيرها على حركة الملاحة. ومع ذلك، بدأ البعض في طرح تساؤلات حول جدوى هذا التحرك.

لماذا يتحتم نقل مرافق إدارة حركة الملاحة إلى “الجونة الشرقية” بدلاً من الحفاظ على الموقع التاريخي وتطويره بشكل يتناسب مع قيمته؟ هل هذا يعني أن هناك خطة خفية للتخلص من التراث والتاريخ المصري تحت شعار التنمية؟

التطورات الأخيرة تدفعنا إلى التساؤل عن هوية الشراكة مع الشركات العالمية. هل كانت هناك أي موافقات رسمية من الجهات الأمنية على تحويل مبنى بهذا الأهمية إلى فندق يزوره السياح يوميًا؟

هل فعلاً تم توقيع عقد بين المحافظ السابق والهيئة مع الشركات التي أُسند إليها إدارة الفندق؟ هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة من المعنيين.

أكثر ما يثير القلق هو الوضع الاقتصادي والمالي للهيئة. هناك اتهامات بأن الهيئة تحاول سد العجز في ميزانيتها من خلال الاستثمارات الغير مضمونة، مما يؤدي إلى تبديد الموارد بشكل كارثي.

فهل سيكون مستقبل القناة في خطر بسبب هذا الإهمال؟ هل نحن أمام مشروع لتحويل التاريخ إلى مجرد سلعة للبيع لأعلى سعر؟

لا يخفى على أحد أن التحولات الاقتصادية والسياسية التي مرت بها البلاد جعلت الكثير من الأفراد ينددون بفكرة بيع المباني الأثرية.

وقد اعتبر العديد من النقاد هذه الخطوة بمثابة استسلام للضغوطات المالية، مما يعرض تاريخ مصر للخطر. التحذيرات تتوالى من الخبراء والمختصين في التراث المعماري،

حيث يرون أن تحويل مبنى تاريخي إلى فندق يعكس إهدارًا حقيقيًا للمال العام وللقيم الثقافية والحضارية.

الكثيرون يعتبرون أن هيئة قناة السويس تشهد تغييرات جذرية قد تؤدي إلى تفكيك الكيان الذي يمثل جزءًا من هوية مصر.

إن بناء تاريخ قناة السويس يستند إلى مئات السنين من الجهد والمعاناة، واليوم نجد أنفسنا أمام خطر كبير يتمثل في التخلي عن هذا الإرث.

في خضم ذلك، يشير بعض الخبراء إلى أن ما يحدث هو نتيجة للفشل في إدارة الموارد بشكل فعال.

إن تحويل مبنى القبة إلى فندق يأتي بعد فترة طويلة من الإخفاقات الإدارية التي شهدتها الهيئة، مما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة الجهات المسؤولة على إدارة الأصول الحيوية بشكل سليم.

بينما تستمر الهيئة في الدفاع عن قرارها، فإن المؤشرات تدل على أن هناك أزمة ثقة حقيقية بين الهيئة والجمهور.

الجهود المبذولة للحفاظ على التراث أصبحت محل شك، حيث يرى البعض أن الحديث عن الترميم لم يكن سوى غطاء لمشروع يهدف إلى بيع التاريخ بأسلوب مقنع.

الجميع يترقب كيف ستتطور الأحداث في الأيام القادمة. في الوقت الذي يتم فيه الحديث عن التنمية، يبقى التاريخ والأثر محاصرين بين مطرقة التغيرات الاقتصادية وسندان استثمار رأس المال.

لا يمكن أن نغفل عن أهمية القناة كمصدر رئيسي للاقتصاد المصري، ولكن السؤال الأهم هو: كيف نحافظ على هذا الإرث دون التفريط فيه؟ هل فعلاً نستطيع التوفيق بين الاستثمار والحفاظ على الهوية التاريخية؟

هناك تحذيرات من أن هذا المشروع قد يؤثر سلبًا على صورة مصر في العالم، كما يؤكد البعض أن السياحة يجب أن تركز على تعزيز الثقافة والتراث وليس تفكيكهما.

إن التاريخ ليس مجرد شيء يمكن بيعه أو تأجيره، بل هو جزء من الهوية التي يجب الحفاظ عليها.

يبدو أن مسألة تحويل مبنى القبة التاريخي إلى فندق ليست مجرد قضية محلية بل قضية تمس كرامة تاريخية وحضارية.

على هيئة قناة السويس أن تعيد النظر في استراتيجيتها وأن تتخذ خطوات جادة لضمان الحفاظ على هذا المعلم الأثري قبل أن يتحول إلى ذكرى تندبها الأجيال القادمة.

إن عدم التصرف بحذر قد يؤدي إلى كارثة تاريخية لا يمكن إصلاحها، لذا يجب على المعنيين أن يتحلوا بالشجاعة للتصدي لهذه الخطوة المدمرة.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى