تقارير

كامل الوزير: قاتل الصناعة المصرية بإغلاق مصنع الفويل التاريخي

في ظلال حديث متواصل عن الأزمات الاقتصادية والقرارات السيئة، جاء الوزير كامل الوزير ليشعل الجدل مرة أخرى بكلماته النارية في مجلس النواب.

إذ انتقد بشدة غياب مصانع إنتاج الفويل في مصر، مشيرًا إلى تكلفة الاستيراد الباهظة التي تصل إلى 140 مليون دولار سنويًا.

لم يمض وقت طويل حتى أثار الرئيس السيسي هذه القضية من جديد، مؤكدًا أن استيراد السلع “غير الضرورية” بمليارات الدولارات يساهم في تدهور قيمة الجنيه أمام الدولار، مستشهدًا بورق الفويل كأحد أبرز الأمثلة على هذه الفوضى، حيث تستورد الدولة هذا المنتج بتكلفة تصل إلى 500 مليون دولار.

هنا، يتجلى واقع مأساوي مفاده أن كامل الوزير هو المسؤول المباشر عن فقدان مصر لمصنعها الوحيد لرقائق الألومنيوم، والذي يعد جزءًا من التراث الصناعي للبلاد.

التحقيقات التي أجرتها منصة “متصدقش” أظهرت تفاصيل مثيرة للقلق حول إغلاق مصنع الفويل التابع لشركة النحاس، والذي كان يُعتبر من أقدم مصانع إنتاج الفويل في منطقة الشرق الأوسط.

إذ تم إغلاقه منذ حوالي عشر سنوات وجرى انتزاع ملكية أرضه لصالح الهيئة القومية للأنفاق بتوصية مباشرة من الوزير.

هذا الحدث يلقي الضوء على تناقضات خطيرة في الخطاب الحكومي. في الوقت الذي يُحمَّل فيه الوزير القطاع الخاص مسؤولية الفشل، نجد أن الأسباب الحقيقية للأزمة ترتبط بتصرفات الحكومة نفسها،

والتي فضلت إنفاق مليارات الدولارات على مشروعات البنية التحتية مثل الأسفلت والأسمنت، تاركة الصناعة المحلية تعاني في ظلام الفشل والبطالة.

الإغلاق المأساوي لمصنع الفويل

تأسس مصنع الفويل عام 1960 على قطعة أرض في منطقة حجر النواتية بالإسكندرية، وكان المصنع الوحيد الذي ينتج رقائق الألومنيوم في البلاد. عُرف المصنع بقدرته على تلبية احتياجات السوق المحلي وتصدير منتجاته للخارج.

لكن الأمور تغيرت بشكل مأساوي بعد أن أجبرت شركة النحاس، المالكة للمصنع، على تسليم الأرض بالكامل للفريق كامل الوزير في عام 2019، بحجة تنفيذ أعمال مترو الإسكندرية.

المصادر من داخل شركة النحاس كشفت عن أن إغلاق المصنع جاء بزعم تحقيق خسائر، وتم بيع معداته كخردة بعد أن تم تكهينها. كما تم هدم مبنى المصنع وجرى نزع ملكية أرضه دون أي تعويض.

هذا الإجراء كان جزءًا من عملية ممنهجة لتدمير الصناعة الوطنية، وهو ما يتناقض تمامًا مع ادعاءات الوزير بأن مصر تحتاج لمصنع فويل.

التدمير المنظم للصناعة الوطنية

ما حدث مع مصنع الفويل ليس حادثًا فريدًا بل هو جزء من استراتيجية شاملة لطرد الصناعة الوطنية من السوق.

فالعديد من المصانع التي كانت مملوكة للدولة تعرضت لنفس المصير، حيث حُرمت من الدعم اللازم في المرافق والخدمات.

في الوقت ذاته، حصل القطاع الخاص على تسهيلات ضخمة، مما جعل الفجوة بين القطاعين تتسع بشكل كبير.

إن قطاع التصنيع في مصر يتعرض لضغوط هائلة بسبب التغيرات المتكررة في سعر الصرف. فكلما تقلبت العملة، عانت المصانع من أزمات مالية نتيجة ارتفاع أسعار الخامات والعمالة.

وبالرغم من هذه الأزمات، كان من المتوقع أن تقدم الحكومة قروضًا عاجلة لدعم المصانع المتعثرة. ولكن ما يحدث هو العكس، حيث يبدو أن النظام يترقب حدوث الأزمات ليتمكن من تصفية المصانع والاستيلاء على أراضيها.

فشل حماية الصناعات المحلية

حتى لو استطاع أحد المصانع النجاة من أزمات تقلب العملة، فإنه لا ينجو من المنافسة غير العادلة مع المنتجات المستوردة. فالممارسات السيئة للقطاع الخاص تجعل من المستحيل على المصانع المحلية الصمود.

إذ يجب أن تتوفر حماية للصناعات المحلية عبر تقليل الاستيراد، ولكن الحكومة بدلاً من ذلك تفتح الأسواق أمام جميع أشكال الإغراق، مما يؤدي إلى تدمير الإنتاج المحلي.

المصانع التي تحاول البقاء على قيد الحياة تجد نفسها أمام معضلة كبيرة. فمع كل أزمة تمر بها، تنتظر كامل الوزير أو من يمثل دوره ليقوم بتكهين معداتها، وبيعها كخردة، واستغلال أراضيها لإنشاء مشروعات جديدة.

رؤية مشوشة في إدارة الاقتصاد

كما أظهر تحقيق “متصدقش”، فإن إغلاق مصنع الفويل والاستيلاء على أرضه لم يكن مجرد قرار عابر.

بل كانت تلك الخطوة نتيجة لرؤية اقتصادية مشوشة لدى الحكومة، خاصة أن الوزير يشكو الآن من عدم وجود مصنع فويل واحد في البلاد، رغم أنه هو من أغلق المصنع الوحيد.

وفي الوقت الذي يشتكي فيه من إنفاق المصريين للعملة الصعبة على استيراد الفويل، نجد أن المترو الذي يتم إنشاؤه يتسبب في تدمير أحد معاقل الإنتاج الوطني.

المشكلة أكبر من مجرد مصنع أو مشروع، فهي تتعلق بفهم الحكومة لطبيعة الاقتصاد. الحكومة ترى الاقتصاد ككتلة من المشروعات الكبرى التي لا رابط بينها، وليست كنظام متكامل يرتبط فيه كل جانب بآخر.

هذه الرؤية البدائية هي التي أدت إلى إغلاق المصنع الوحيد لورق الفويل، بينما يُظهر الوزير حيرة في كيف أن هذه الخطوة أثرت على الاقتصاد الوطني.

أخطاء متكررة في اتخاذ القرارات

هل يعني هذا أن فكرة إنشاء مترو الإسكندرية كانت خاطئة؟ بالتأكيد لا. ولكن الدول التي تمتلك رؤية اقتصادية سليمة، تتعامل مع مثل هذه الأزمات بطريقة تختلف تمامًا.

فعندما تحتاج لأرض مصنع من أجل مشروع ما، يتم نقل المصنع إلى موقع جديد، مما يحافظ على الإنتاج ويضمن استمرارية الصناعة. ولكن يبدو أن حكومتنا تفتقر حتى إلى هذه البديهيات.

إن المحور الأساسي لنجاح الاقتصاد هو التوازن بين مشروعات البنية التحتية والتصنيع المحلي. إذا استمر تركيز الحكومة على إنشاء الطرق والكباري على حساب الصناعة، فإن العواقب ستكون كارثية.

إذ يتعين على الحكومة أن تدرك أن المشروعات الكبرى لا يمكن أن تعوض عن فقدان الإنتاج المحلي.

الخلاصة: الطريق إلى الفشل

إن استمرار نهج الحكومة الحالي لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمات الاقتصادية وزيادة الاعتماد على الاستيراد، مما يجعل البلاد عرضة للضغوط الاقتصادية الخارجية.

ولذا، فإن المسؤولية الآن تقع على عاتق الجميع: من الحكومة إلى المجتمع، لضمان عودة الصناعة المحلية إلى الواجهة وتوفير الحماية اللازمة لها.

في الختام، يجب أن نتساءل: إلى متى ستستمر هذه الفوضى؟ ما لم يتم تغيير السياسات الحالية، ستظل مصر تكافح في دوامة الفشل الاقتصادي، بينما يتباهى الوزراء بإنجازاتهم في ظل أنقاض المصانع التي كانت قادرة على تقليل الاعتماد على الاستيراد.

إن الحل يكمن في إعادة التفكير في كيفية إدارة الاقتصاد وفي كيفية تعامل الحكومة مع الصناعة الوطنية، وإلا فإن المستقبل سيكون أكثر كآبة مما نحن عليه اليوم.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى