تقاريرذاكرة التاريخ

اليوم ذكري رحيل أحمد شوقي .. غياب أمير الشعراء يكشف أزمات الأدب العربي المعاصر

تمر اليوم ذكرى رحيل أعظم شعراء العربية في العصور الحديثة، أمير الشعراء أحمد شوقي الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم 14 أكتوبر 1932،

بعد أن صنع لنفسه مجداً أدبياً لا يُنسى، وسجّل اسمه في تاريخ الشعر العربي كأيقونة أدبية لن يمحوها الزمن، ورمزاً لأجيال متعاقبة تعلّمت من أشعاره ونُصوصه،

فشوقي لم يكن مجرد شاعر بل حالة إبداعية متكاملة تجاوزت حدود الكلمة، ليصبح رمزاً وطنياً وأدبياً في مصر والوطن العربي.

ولد أحمد شوقي في 17 أكتوبر عام 1870، ليبزغ نجمه منذ نعومة أظافره كمُعجزة شعرية تحدث عنها النقاد والشعراء والأدباء بشغف وإعجاب، إذ كان الشعر ينساب من لسانه كالماء الرقراق بلا عناء، ممهداً طريقه نحو القمة، دون أدنى جهد.

هذه الموهبة الفذة أذهلت الجميع منذ طفولته، لكن تأثير القصر الملكي والخديوي كان واضحاً على حياته وشعره، حيث تربّى في أجواء القصور الأرستقراطية بفضل جدته التي كانت وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، مما جعله يعيش في بيئة غنية بالثقافة والرفاهية.

نشأة شاعر وتكوين عبقريته الأدبية

نشأ شوقي في أجواء القصور إذ تكفلت جدته لأمه بتربيته في قصر الخديوي إسماعيل، وكان لهذا النشوء أثراً عظيماً على شخصيته، فقد عاش طفولة أرستقراطية مليئة بالترف، والتحق بمدرسة الشيخ صالح في حي السيدة زينب، ثم درس في مدرسة المبتديان الابتدائية والثانوية التجهيزية.

كان تفوقه ملحوظاً ما أهله للحصول على مجانية التعليم كمكافأة، ثم التحق بمدرسة الحقوق عام 1885، حيث انضم إلى قسم الترجمة، ونتيجة لتفوقه أرسله الخديوي ليكمل دراسته في فرنسا، حيث أمضى ثلاثة أعوام عاد بعدها بالشهادة النهائية في عام 1893.

أعماله الشعرية والأدبية

بعد عودته إلى مصر، بدأ شوقي نشر قصائده التي سرعان ما أثارت الإعجاب، وأطلق ديوانه الشعري “الشوقيات” في عام 1898، وهو الديوان الذي صار علامة فارقة في مسيرته الأدبية، حيث كان تعبيراً عن التنوع في مشاعره وأفكاره وعمق تجربته الحياتية.

وبعد ذلك، جمع الدكتور محمد السربوني الأشعار التي لم يضمها ديوانه، وصنع منها ديواناً جديداً في مجلدين أسماه “الشوقيات المجهولة”، ليظهر من خلاله جوانب أخرى من عبقريته الشعرية.

نفيه إلى إسبانيا وتأثره بالحضارة الأندلسية

أثناء الحرب العالمية الأولى وفي عام 1914 تحديداً، نفي شوقي إلى إسبانيا بسبب قصائده التي كانت تهاجم الاحتلال البريطاني لمصر، وكان لنفيه أثر عميق في حياته وشعره.

ففي هذه الفترة، انفتح شوقي على الأدب العربي والإسلامي في الأندلس، واستلهم الكثير من الحضارة الإسلامية التي شهدتها تلك الأراضي، مما انعكس في قصائده التي أبدع خلالها في مدح الحضارة الأندلسية وعظمة المسلمين الذين تركوا بصمة لا تُنسى في تاريخ إسبانيا.

وخلال هذه الفترة أيضاً ازداد تألقه الأدبي، حيث كان يرى في الأندلس رمزاً للفقدان، ومرآة لزوال الأمجاد العربية التي حُفرت في ذاكرته.

مبايعته أميراً للشعراء وعبقريته الشعرية التي أذهلت العرب

في عام 1927، وصلت شهرة أحمد شوقي إلى ذروتها، فقد بايعه شعراء العرب أميراً للشعراء في حفل مهيب بالقاهرة، تقديراً لعظمة إبداعاته الشعرية.

ومن بين هؤلاء الشعراء خليل مطران، وحافظ إبراهيم، وأمين نخلة، وشبلي ملاط، وكان حافظ إبراهيم قد خصه بقصيدة رائعة قال في مطلعها: “أمير القوافى قد أتيت مبايعًا وهدى وفود الشرقى قد بايعت معى”.

هذا اللقب الذي لم يُمنح لأي شاعر قبله، جعله رائداً للشعر العربي، كما جعلته قصائده وأعماله الإبداعية قدوة للشعراء الشباب الذين تأثروا به وبإنتاجه الشعري الذي تجاوز 23 ألف بيت من الشعر.

نبوغ شوقي وملامح عبقريته الأدبية

رغم براعته الشعرية فإن أحمد شوقي لم يكن شاعراً فقط بل أديباً غزير الإنتاج، كتب في عدة مجالات مثل المسرح الشعري، والقصة، والنقد الأدبي، والتاريخ، وأصدر عدة مسرحيات شعرية كانت الأولى من نوعها في الأدب العربي، ومن أشهرها “مصرع كليوباترا” و”قمبيز” و”مجنون ليلى” و”علي بك الكبير”.

كما كتب أرجوزة شعرية تاريخية بعنوان “دول العرب وعظماء الإسلام”، وهي من أبرز أعماله النثرية، بالإضافة إلى مقالاته التي جمعها في كتاب “أسواق الذهب”، ومحاولاته الروائية مثل “عذراء الهند” و”ورقة الآس”، حيث اتسعت ثقافة شوقي لتشمل التراث العربي والغربي على حد سواء، ما أتاح له أن ينهل من كلا العالمين، ويخلق جسراً شعرياً بينهما.

مدح الخديوي وعلاقته بالسلطة

تميزت علاقة شوقي بالسلطة الحاكمة في مصر منذ بداياته، فقد كان مقرباً من الخديوي توفيق الذي رأى فيه شاعر القصر، وازداد تقربه للخديوي عباس حلمي الثاني بعد ذلك، إذ خصص له الكثير من قصائد المدح.

لكن رغم قربه من السلطة، لم يمنعه ذلك من انتقاد الاحتلال البريطاني علانية، وهو ما تسبب في نفيه إلى إسبانيا. كانت علاقة شوقي بالخديوي علاقة متوازنة، إذ تمكن من الحفاظ على موقعيته كشاعر مقرب من القصر، وفي الوقت نفسه لم يغفل قضايا شعبه الكبرى.

الإرث الأدبي الخالد وتأثير شوقي في الأدب العربي الحديث

رغم وفاة شوقي في عام 1932، إلا أن إرثه الأدبي ما زال حياً حتى يومنا هذا، فقد ترك خلفه كنزاً من الأشعار والنصوص الأدبية التي ما زالت تُدرس وتُقرأ على نطاق واسع في مختلف أرجاء العالم العربي.

لقد كان شوقي بحق “أمير الشعراء” ليس فقط بسبب اللقب الذي ناله، بل لأنه استطاع أن يترك بصمة دائمة في تاريخ الأدب العربي الحديث.

ورغم أنه عاش في فترة حافلة بالتحديات السياسية والاجتماعية، إلا أنه تمكن من توظيف شعره لخدمة قضايا الحرية والاستقلال والعدالة، مما جعل شعره يتجاوز حدود الجغرافيا والزمن.

خصائص شعر أحمد شوقي وتأثره بالإسلام والثقافة العربية

كانت أشعار شوقي تمثل مزيجاً من الوطنية والحب والحكمة، إذ عبّر فيها عن مشاعر الحب للوطن والدين والحياة، وتأثر كثيراً بالقرآن الكريم في شعره، حيث كان يستشهد بآياته ليعزز من حججه الشعرية ويستمد منها القوة الروحية.

كما أنه كان متمكناً لغوياً، استطاع أن يستلهم التراث العربي ويعيد إحيائه في قصائده، متأثراً بالشعراء الكبار مثل المتنبي وأبي تمام والبحتري. وقد انعكست قدرته اللغوية في ثراء صوره الفنية والموسيقية، ما جعل شعره يتسم بالقوة التعبيرية والجمالية.

وفاته وميراثه الأدبي الخالد

في مساء 13 أكتوبر 1932، أفلت شمس أحمد شوقي بعد صراع مع المرض، إذ أصيب بمرض تصلب الشرايين، ثم جاء مرض مفاجئ آخر أنهك قواه وألزمه الفراش لأربعة أشهر.

ورغم ذلك، لم يتوقف عن الإبداع حتى آخر لحظة من حياته، حيث كتب خلال فترة مرضه عدة مسرحيات وأشعار، كان من بينها “مجنون ليلى”، و”قمبيز”، و”علي بك الكبير”، و”البخيلة”.

وفي اليوم التالي من رحيله، تلقى العالم العربي خبر وفاته بحزن شديد، ونعته الصحف والمجلات الأدبية، ورثاه الشعراء بكلمات مليئة بالألم والأسى.

ظل شوقي رمزاً للأدب العربي الحديث، ومثّل قمة النهضة الشعرية التي أثرت في الأجيال اللاحقة، إذ كانت أشعاره وما زالت شعلة من النور والهداية للأدباء والشعراء من بعده.

ولم يكن شوقي مجرد شاعر بل كان موسوعة شعرية متكاملة تمكنت من التعبير عن كل ما يجول في خاطر الأمة العربية، ليظل اسمه خالداً

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى