أحزابتقارير

ياسر الهضيبي: فساد قانون البناء يهدد مستقبل مصر العمراني

قانون البناء في مصر أصبح واحدًا من أبرز القضايا المثيرة للجدل، وهو في قلب معركة طويلة ومؤلمة بين الدولة والمواطنين.

وهذا القانون الذي يُفترض أنه يمثل الأداة التنظيمية الأساسية للتخطيط العمراني أصبح واجهة للفساد والبيروقراطية المستمرة التي تنعكس على حياة المواطنين.

الدكتور ياسر الهضيبي، سكرتير عام حزب الوفد وعضو مجلس الشيوخ، لم يتوانَ عن تسليط الضوء على تلك الحقيقة المؤلمة، مؤكدًا أن النظام الحالي المتمثل في قانون البناء رقم 119 لسنة 2008 يعاني من مشاكل جوهرية تتطلب إعادة نظر شاملة وسريعة.

كلمة الدكتور ياسر الهضيبي أمام مجلس الشيوخ

ملايين المخالفات المتراكمة، والمباني العشوائية التي شوهت المنظر الحضري للمدن المصرية، لم تحدث صدفة، بل هي نتيجة فساد مستشري في منظومة البناء وقصور في تطبيق القانون.

الهضيبي يعلن بصراحة تامة أن القانون ليس المشكلة الحقيقية بل الكارثة في عملية تطبيقه. مشددًا على أن صدور التشريعات ليس كافيًا، بل الأهم هو إنفاذها على أرض الواقع.

لسنوات طويلة، ظل العديد من القوانين التي صدرت بغرض تنظيم البناء محبوسة في الأدراج، غير مفعلّة، أو تواجه عقبات في التنفيذ تجعلها حبرًا على ورق.

الهضيبي يلفت الانتباه إلى نموذج قانون التصالح في مخالفات البناء، الذي بالرغم من كونه تشريعًا هامًا، إلا أنه واجه صعوبات بالغة في التطبيق ولم يحقق الأهداف المرجوة منه حتى هذه اللحظة.

الكارثة التي يصفها الهضيبي تتجلى في انتشار المخالفات والبناء العشوائي بلا رادع حقيقي، وهو ما يعكس مدى الفساد الذي طال بعض المسؤولين عن تطبيق القانون.

الفساد والبيروقراطية، كما يوضح، هما العاملان الرئيسيان اللذان دفعا المواطنين نحو الطرق الخلفية وغير القانونية للحصول على تراخيص البناء التي ينبغي أن تكون عملية بسيطة ومباشرة.

المواطن العادي يجد نفسه غارقًا في إجراءات طويلة ومعقدة، ما يدفعه في النهاية للجوء إلى أساليب غير مشروعة للحصول على ما يحتاجه، متسائلاً عن جدوى قوانين البناء التي فشلت في تحقيق أي نتائج ملموسة على أرض الواقع.

ولا يقتصر النقد الذي وجهه الهضيبي على القوانين السابقة فقط، بل يمتد إلى تعديلات القانون المعروضة على المجلس.

ورغم أنه أثنى على بعض هذه التعديلات التي اعتبرها خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن المسألة الجوهرية تبقى في كيفية التنفيذ.

تعديلات قانون البناء، التي من بينها تقليص خطوات الترخيص من 15 إلى 8 فقط، وإلغاء الاشتراطات البنائية المعقدة التي صدرت عام 2021، هي بلا شك إجراءات تهدف إلى التخفيف من الأعباء على المواطنين وتشجيع الاستثمار في القطاع العمراني، لكنها لن تكون ذات قيمة ما لم يتم تطبيقها بصرامة ومتابعتها بشكل دوري لمنع أي انتكاسات.

الهضيبي أشار أيضًا إلى مشكلة أكبر، وهي المدة الزمنية الطويلة التي تستغرقها عملية إصدار تراخيص البناء. فالقانون الحالي يحدد مدة سريان الترخيص بعام واحد، وهو ما يعوق المشاريع ويثقل كاهل المواطنين.

تعديل هذه المدة إلى ثلاث سنوات في مشروع القانون الجديد يعد خطوة إيجابية. لكن مرة أخرى، يتساءل الهضيبي: هل ستضمن هذه التعديلات تحسُّن الأوضاع أم أنها ستصبح مجرد نصوص أخرى لا تجد طريقها إلى التنفيذ؟

من خلال إلقاء نظرة فاحصة على منظومة البناء في مصر، يبدو أن الهضيبي يضع أصبعه على الجرح. الفساد المتغلغل، وتراكم المخالفات، وتشويه النسق الحضاري للمجتمعات، هي مشاكل ليست بالجديدة، لكنها تفاقمت بشكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة.

مدن كاملة في مصر فقدت طابعها الجمالي بسبب انتشار العشوائيات، والمخالفات التي باتت أمرًا مألوفًا لدى الجميع. والأدهى من ذلك، أن المواطنين الذين يرغبون في البناء بشكل قانوني يجدون أنفسهم في مواجهة مباشرة مع عقبات لا تُحصى، مما يجعلهم يفضلون مخالفة القانون على الانصياع له.

الهضيبي في نبرته الصارمة لم يتجاهل الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه الحكومة إذا ما قررت بصدق أن تتصدى لهذا الوضع المتردي.

الحكومة اتخذت بعض الإجراءات الإيجابية، منها تسهيل إجراءات الترخيص وتقليصها إلى ثماني خطوات، إضافة إلى قرار وقف العمل بالاشتراطات البنائية التي وُضعت في 2021 والتي أثبتت فشلها في تحقيق أي تقدم يذكر. هذه الإجراءات، إذا ما تم تنفيذها بحزم، قد تساهم في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من النسق العمراني الذي تضرر بشدة.

لكن الهضيبي لا يزال غير مقتنع بأن الحلول الحالية كافية. إنه يطالب بتشديد الرقابة على منظومة البناء بأكملها، ليس فقط من خلال تعديل القوانين، بل أيضًا من خلال محاسبة المسؤولين الفاسدين والتصدي لأي مخالفات بصرامة وحزم.

هنا يبرز دور الرقابة الحقيقية والمستمرة، فالقوانين وحدها لن تحل المشكلة إذا لم يكن هناك من يراقب تنفيذها ويحاسب المتورطين في عرقلة تطبيقها.

المطلب الواضح هو تصحيح المسار عبر إصلاح جذري وشامل لمنظومة البناء في مصر. ما يشهده المواطنون من فساد وإهمال لا يمكن تجاوزه بتعديلات شكلية أو إجراءات مؤقتة. القضية أكبر من ذلك بكثير.

إنها مسألة بناء حضارة وتاريخ، ومسألة حقوق مواطنين طالما حلموا ببيئة حضرية منظمة وجميلة. لكن الأحلام وحدها لا تكفي في مواجهة هذه الكارثة العمرانية التي أضحت تهدد مستقبل البلاد.

المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى