كارثة تاريخية تهدد رمزية بورسعيد: مشروع فندق سياحي يثير غضب الأحزاب السياسية
يتصاعد القلق في أوساط الأحزاب والقوى السياسية في بورسعيد إزاء مشروع تحويل مبنى قبة هيئة قناة السويس، الذي يقع على الضفة الغربية للممر الملاحي للقناة، إلى فندق سياحي، وسط استياء عام من هذا المشروع الذي تعتبره تلك الأحزاب هجومًا غير مقبول على التاريخ الوطني.
القبة، التي تمثل رمزًا من رموز نضال الشعب المصري في مواجهة الاستعمار، باتت اليوم موضوعًا ساخنًا يجذب انتباه الشارع البورسعيدي والأحزاب السياسية على حد سواء، وسط رفض قاطع للمشروع الذي تسعى لإدارته إحدى شركات السياحة، ما يعتبرونه تصرفًا يشوه المعنى التاريخي الذي يحمله المبنى.
الأحزاب السياسية في المدينة، وعلى رأسها أحزاب الوفد والتجمع والناصري والعمل، أصدرت بيانات موحدة تؤكد رفضها المطلق لهذا التحول في استخدام مبنى القبة.
من وجهة نظرهم، تحويل المبنى إلى فندق سياحي ليس مجرد إجراء تجاري أو تطوير سياحي، بل هو اعتداء صارخ على أحد الرموز التاريخية المهمة التي تحمل دلالات عميقة وتجسد مرحلة مفصلية من نضال مصر في تاريخها المعاصر.
المبنى ليس مجرد منشأة أثرية، بل هو رمز يعكس صمود الشعب المصري أمام قوى الاستعمار، ويمثل فصلًا مهمًا من كفاحه ضد الاحتلال الإنجليزي والعدوان الثلاثي، وما مر به من تحولات عبر الأجيال.
تعتبر الأحزاب هذا المشروع السياحي استفزازًا للشعور الوطني، وخروجًا عن الدور التاريخي الذي لعبه هذا المبنى الذي ظل لسنوات طويلة مركزًا هامًا في تنظيم عبور السفن في قناة السويس.
المبنى الذي شيد ليتناسب مع أهمية القناة بوصفها شريانًا حيويًا للتجارة العالمية، كان عبر التاريخ مركزًا لتنظيم حركة الملاحة في قناة السويس.
وبالنظر إلى الدور الذي لعبته قناة السويس في تعزيز استقلال مصر الاقتصادي والسياسي، فإن تحويل هذا المبنى إلى منشأة تجارية سياحية يعتبر بالنسبة للأحزاب إهانة مباشرة لتاريخ القناة وأهميتها الوطنية.
وفي هذا السياق، دعت الأحزاب إلى ضرورة استكمال عمليات ترميم المبنى التي كانت بدأت تحت إشراف وزارة الآثار المصرية.
هذه الأحزاب ترى أن الحل الأمثل هو إعادة تشغيل المبنى وفقًا للغرض الذي أنشئ من أجله، وهو الإشراف على حركة عبور السفن في القناة، وإبقاؤه رمزًا من رموز نضال الشعب المصري ضد الاستعمار، ومحافظة على ما يمثله من هوية تاريخية للمدينة.
رفض الأحزاب يأتي مدفوعًا بقناعة قوية بأن مثل هذا المشروع لا يمكن النظر إليه بمعزل عن تاريخ بورسعيد. المدينة التي شهدت أحداثًا تاريخية كبرى، لا سيما خلال العدوان الثلاثي، ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بهذا المبنى الذي شكل نقطة محورية في مواجهة التحديات التي واجهتها القناة عبر التاريخ.
وتحويل هذا المبنى إلى فندق سياحي يتجاوز مجرد تغيير في استخدام منشأة عامة، إلى كونه محاولة لمحو ذاكرة تاريخية غنية، واستبدالها بمشروع ربحي لا يعكس إلا الرغبة في الاستفادة المادية من موقع استراتيجي دون احترام للرمزية التي يحملها.
تشير الأحزاب إلى أن مشروع تحويل القبة إلى فندق سياحي يشكل خطرًا حقيقيًا على التراث الثقافي لبورسعيد، وهو قرار يعكس استهتارًا بالقيمة التاريخية لهذا المعلم، وتجريده من معناه الوطني.
القلق لا ينبع فقط من تغيير الاستخدام، بل من فقدان المدينة جزءًا أصيلًا من هويتها، إذ تعتبر القبة جزءًا من الذاكرة الجمعية لسكان المدينة وللشعب المصري عامة، ومصدر فخر للأجيال السابقة والحالية.
الأحزاب السياسية في بورسعيد لا ترى في المشروع مجرد مسألة تجارية، بل تعتبره هجومًا على هوية المدينة التي قاومت الاستعمار والصعاب، وواجهت محاولات الاستيلاء على إرثها.
لذا، أطلقت نداءً عاجلًا للحكومة المصرية ووزارة الآثار للتدخل السريع وإلغاء هذا المشروع، واستعادة المبنى إلى وضعه الأصلي، حيث كان يستخدم لتنظيم الملاحة في القناة، وتأدية دوره الوطني الهام.
الضغط الذي تمارسه الأحزاب في بورسعيد يأتي في وقت حساس، إذ ترى هذه القوى أن هناك خطرًا على هوية المدينة ومعالمها التاريخية التي ساهمت في تشكيل الروح الوطنية المصرية.
وتعتبر الأحزاب أن استمرار هذا المشروع يعد انتهاكًا لحقوق الأجيال القادمة التي من حقها أن ترث تاريخًا مجيدًا، وتفخر بمعالم مدينتها التي شهدت أحداثًا غيرت مجرى التاريخ المصري.
وتطالب الأحزاب السياسية بضرورة وقف هذا المشروع فورًا والبدء في إعادة ترميم المبنى بإشراف وزارة الآثار، مع الحفاظ على طابعه التاريخي والرمزي.
وتشدد هذه القوى على أن دور الدولة يجب أن يكون الحفاظ على الهوية التاريخية، وأن احترام رموز النضال الوطني واجب لا يمكن تجاهله. تجاهل مطالب هذه الأحزاب والقوى السياسية من شأنه أن يفتح الباب لمزيد من الاحتقان الشعبي في بورسعيد، ويدفع الأوضاع نحو المزيد من التوتر.
لذا، يبقى الأمل معلقًا على التدخل الحكومي العاجل لإنقاذ هذا المعلم التاريخي من مصير يبدو كارثيًا في حال استمر المشروع كما هو مخطط له.
هذا المشروع لا يمثل فقط تهديدًا لرمزية مبنى قبة هيئة قناة السويس، بل هو أيضًا تهديد للهوية الوطنية لبورسعيد ولمصر بأكملها.
ما يحدث الآن ليس مجرد نزاع على منشأة، بل هو معركة للحفاظ على التراث التاريخي في مواجهة الرغبات التجارية التي لا تأبه بقيمة ما تحاول تغييره.