كارثة السكك الحديدية في مصر: الأرواح تُزهق والموارد تُهدر
تتكرر المآسي في مصر مع كل حادثة قطار جديدة وكأننا أمام مسرحية هزلية مكتوبة بحبر الدماء والأوجاع وبالأمس كان الفاجعة في المنيا حيث تصادم قطارين فجرًا
مما أسفر عن وقوع عدد من القتلى والجرحى بشكل متكرر يذكر الجميع بأن القطار لا يزال يحصد أرواح الأبرياء في وطن يفترض أنه يحقق تقدمًا ويستثمر ملياراته في تطوير البنية التحتية للسكك الحديدية.
هنا تكمن المفارقة العجيبة حيث أن يوم السبت الماضي شهد مؤتمرًا فخمًا يتحدث عن إنجازات قطاع السكة الحديد والتحديثات المزعومة التي شهدها النقل في مصر بينما لم تمضِ ساعات على هذا الاستعراض حتى شهدنا حادث تصادم مرعب وقع في قلب المنيا.
كان من المتوقع أن تكون الأخبار مفعمة بالأمل والتفاؤل لكن ما حدث هو العكس تمامًا فقد أزهقت الأرواح وسقط الضحايا في حادثة مأساوية أخرى تجسد الفجوة السحيقة بين الكلمات الوردية التي يتناقلها المسؤولون والواقع الأليم الذي يعيشه المصريون يوميًا.
تصاعدت ردود الفعل في المجتمع حول الحادث الأخير وكان هناك استياء واسع النطاق من المسؤولين الذين يتربعون على كراسيهم وسط تصاعد معدلات الحوادث دون أن يحركوا ساكنًا.
ففي الوقت الذي كان فيه وزير النقل كامل الوزير يتحدث عن مشروعاته وتطويراته المنجزات، كان هناك أناس يواجهون مصيرهم المأساوي داخل عربات القطار المنكوبة.
كيف يعقل أن يتم تخصيص مئات المليارات على تطوير السكك الحديدية بينما لا يزال هناك انهيار في الواقع العملي لنظام النقل؟ أين ذهبت تلك الاستثمارات الضخمة؟ هل هي مجرد أرقام يتلاعب بها المسؤولون لتجميل الصورة أمام الرأي العام؟
مع كل حادثة جديدة، تتزايد التساؤلات حول جدوى الإنفاق الضخم على تطوير المنظومة، في ظل تكرار الحوادث المميتة التي لا تعكس أي تقدم أو تحسن.
في الوقت الذي تُعلن فيه الحكومة عن مشاريع جديدة وتطويرات مثيرة، فإن واقع الأمور يكشف عن حقيقة مرعبة وهي أن الأموال تنفق بلا جدوى.
إذا كان هناك من يسأل عن السبب وراء تكرار الحوادث، فإن الإجابة واضحة: لا توجد سياسة صارمة للتطبيق والرقابة. يتم بناء طرق جديدة بمليارات الجنيهات، لكن لا يُطبق قانون المرور بصرامة، مما يجعل الحياة اليومية للمصريين في خطر دائم.
لقد رأينا كيف تذهب الأرواح دون اعتبار ولا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن حوادث الطرق والقطارات التي تزهق الأرواح، بينما يتربع المسؤولون على مقاعدهم دون أن يشعروا بالخزي أو العار.
تتوالى الأحاديث حول تحديث القاطرات وتجديد الأسطول، لكن هذه التحسينات تظل بلا قيمة إذا لم يكن هناك استثمار حقيقي في البشر.
التعليم والتدريب على جميع مستويات العمل في السكك الحديدية يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من أي خطة تطوير. فنحن بحاجة إلى سائقين وعمال مؤهلين على فهم واجباتهم ومهامهم في حماية أرواح الركاب.
من المثير للدهشة أنه على الرغم من المليارات التي تم إنفاقها، إلا أن هناك إحساسًا عامًا بالارتباك والفوضى في إدارة السكك الحديدية.
عدم وجود رقابة فعالة أو سياسات واضحة للتأكد من أن الأموال التي يتم إنفاقها تؤدي إلى نتائج إيجابية يثير القلق. وكأننا نعود مرة أخرى إلى النقطة صفر، حيث يبدو أن المسؤولين يكتفون بالتأكيد على الجوانب المضيئة بينما يغضون الطرف عن النواقص والتقصير في التنفيذ.
ربما تكون الفاجعة الأكبر هي أن الحوادث تتكرر دون أن يتخذ أي إجراء حقيقي لمنعها. في كل مرة يحدث فيها حادث مروع، يُسارع المسؤولون إلى تقديم التعازي ولكن لا شيء يتغير في النهاية. هذا العبث والتهريج أصبح جزءًا لا يتجزأ من إدارة الأمور في مصر، ويبدو أن الأرواح التي تُزهق لا تهم أحدًا.
الحادث الأخير في المنيا ليس مجرد مصادفة أو سوء حظ بل هو نتيجة حتمية لنظام متعثر. من الصعب تصديق أن هناك خططًا حقيقية للتطوير في ظل الواقع المؤلم الذي يعيشه المصريون يوميًا.
ليس فقط السائقون، بل جميع العاملين في السكك الحديدية بحاجة إلى تأهيل وتدريب مستمر، وبدلاً من إنفاق الأموال على البنية التحتية فقط، يجب أن يتوجه التركيز نحو الاستثمار في الإنسان، لأن الأمن والسلامة تبدأ من داخل عقول الناس.
الحاجة الملحة الآن هي لمحاسبة المسؤولين وليس فقط استبدالهم. فوزير النقل كامل الوزير، الذي تم تعيينه لقيادة هذه المهمة الكبرى، لا يبدو أنه يتخذ أي إجراءات جادة للتصحيح.
يبدو أنه في مأمن من أي مسؤولية، رغم أن الحوادث تتكرر بصورة مروعة. إذا كانت الحكومة تعتقد أن تغيير الوزراء يكفي لتصحيح المسار، فهي مخطئة تمامًا.
الحقيقة المرة هي أن السنوات الماضية شهدت فشلًا واضحًا في معالجة القضايا الجوهرية التي تعاني منها السكك الحديدية. تصاعدت الحوادث، وتزايدت أعداد الضحايا، ولا تزال الوعود تتوالى من جانب المسؤولين دون أي تحرك فعلي.
عندما يتحدث الوزير عن إنجازات القطاع، نتساءل: أين هي هذه الإنجازات؟ هل هي مجرد أرقام تنشر في تقارير صحفية تروج للنجاح الوهمي؟ إذا كانت هذه هي الإنجازات، فنحن بحاجة إلى مراجعة شاملة لكيفية إدارة هذه القطاعات.
مع كل حادثة جديدة، نرى كيف يتحول الأمل إلى يأس، وكيف تتلاشى الثقة في الحكومة التي وعدت بالتطوير.
والآن بعد كل هذه الأموال التي أُنفقت، نتساءل: هل هناك من يتحمل المسؤولية عن هذه الكوارث؟ هل ستستمر دائرة الفشل هذه بلا نهاية؟
الحقيقة هي أن الأرواح التي أُزهقت في حوادث القطارات ليست مجرد أرقام في سجلات الموت، بل هي عائلات فقدت أحبائها وأحلامًا محطمة لأناس كانوا يأملون في مستقبل أفضل. ومن المؤسف أن يتحول الأمل إلى كابوس يلازم المصريين في كل رحلة على السكك الحديدية.
لن نتوقف عن المطالبة بالشفافية والمحاسبة. يجب أن يتحمل المسؤولون عواقب أفعالهم، فالأرواح ليست سلعة يمكن استبدالها.
وعندما نتحدث عن تطوير السكك الحديدية، يجب أن يشمل ذلك التركيز على الأفراد وعلى تحسين مهاراتهم وعلى توفير بيئة آمنة لجميع الركاب.
إذا استمر هذا الوضع، فإننا نكون أمام كارثة حقيقية تهدد الأمن والسلامة العامة. يجب أن يُعاد التفكير في كيفية إدارة السكك الحديدية في مصر، وأن تُتخذ قرارات حقيقية تسهم في حماية أرواح المواطنين.
المسؤولية تقع على عاتق الجميع، من الحكومة إلى كل فرد في المجتمع. لا يمكن أن تستمر هذه المآسي بلا محاسبة.
لقد حان الوقت لكي نرى خطوات عملية، وليس مجرد وعود وخطابات. فالأرواح التي أُزهقت تستحق أكثر من ذلك، وتاريخ السكك الحديدية في مصر يحتاج إلى صفحة جديدة تُكتب بحبر الإنجاز والتغيير الإيجابي.