الصراع المحتدم على مياه النيل: إثيوبيا تحدد مصير مصر والسودان
في تصعيد مثير للجدل وعلى الرغم من المعارضة المستمرة من جانب كل من مصر والسودان أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بدء تفعيل اتفاقية إطار حوض نهر النيل المعروفة بـ”عنتيبي” في 13 أكتوبر 2024
وهو ما يعتبر تحولا كبيرا في مسار العلاقات المائية بين دول الحوض وتحديا صارخا للمصالح التاريخية للدولتين العربيتين.
آبي أحمد ادعى أن هذه الاتفاقية تمثل خطوة محورية نحو تحقيق توزيع عادل وفعّال لموارد النيل وتضمن استفادة جميع الدول المعنية من هذه الثروة المائية الحيوية
ومع ذلك فإن الواقع الذي تواجهه الدول المعنية هو مختلف تمامًا عن هذه التصريحات الوردية حيث أن مواقف القاهرة والخرطوم كانت وما تزال على نقيض مع تلك الادعاءات.
في منشور له عبر حسابه الرسمي على منصة “إكس” أكد آبي أحمد أن اليوم يمثل نهاية رحلة طويلة نحو العدالة في توزيع مياه النيل وقد اعتبر أن تفعيل الاتفاقية يعزز العلاقات بين دول حوض النيل
ويؤكد أن إدارة واستغلال الموارد المائية يجب أن تعود بالنفع على الجميع لكن كيف يمكن أن تكون هذه الفوائد مشتركة في ظل الرفض العلني الواضح من مصر والسودان اللتين تعتبران أن هذه الاتفاقية تمثل تهديدًا لمصالحهما.
وقد أعربت كل من مصر والسودان عن رفضهما القاطع للاتفاقية مشددتين على أنها غير ملزمة وأنها تتعارض مع مبادئ القانون الدولي العرفي والتعاقدي وفي بيان مشترك للهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل بين البلدين
أكدت أنه لا يمكن اعتبار مفوضية الدول الست الناشئة عن الاتفاق الإطاري “غير المكتمل” تمثل حوض النيل بأي شكل من الأشكال مما يعكس عمق الخلافات القائمة بين هذه الأطراف.
على صعيد آخر فإن الاتفاقية التي تقودها إثيوبيا تتضمن تحالفًا مع دول أخرى مثل تنزانيا ورواندا وبوروندي وأوغندا وجنوب السودان مما يزيد من تعقيد المشهد
ويعكس تباين المصالح الإقليمية على صعيد الموارد المائية بينما يتطلب دخول الاتفاقية حيز التنفيذ تصديق ثلثي الدول الأعضاء وهو ما تحقق بعد توقيع جنوب السودان مما يشير إلى أن الأمور تتجه نحو مزيد من التعقيد والتوترات.
مع تفعيل هذه الاتفاقية يبدأ فصل جديد قد يتسبب في تغييرات جذرية في إدارة الموارد المائية بالنيل وقد يؤدي إلى أزمات قد تكون أكثر عمقًا من تلك التي شهدناها في السنوات الماضية
حيث أن الحصص التاريخية التي تم تخصيصها لمصر بـ55.5 مليار متر مكعب وللسودان بـ18.5 مليار متر مكعب باتت مهددة في ظل هذه الظروف.
وبعد دعوة مندوب إثيوبيا الدائم لدى الأمم المتحدة يوسيف كاساي لمصر للتوقيع على اتفاقية عنتيبي مشددًا على أنها فرصة ذهبية لاستعادة العلاقات السلمية بين دول حوض النيل تبرز العديد من التساؤلات
حول نوايا أديس أبابا الحقيقية ودوافعها وراء هذا الضغط بينما تواصل الدولتين العربيتين التشبث بمواقفهما الرافضة لأي اتفاق قد يهدد حقوقهما التاريخية في النيل.
يجب أن نتساءل كيف يمكن لدول مثل مصر والسودان أن تقبل اتفاقية تُعتبر بمثابة تهديد لمصالحهما المائية في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر الإقليمي بسبب هذه القضية الحساسة التي تمس حياة الملايين من المواطنين في هذين البلدين.
إن تفعيل الاتفاقية لا يمثل فقط نقطة تحول في العلاقات المائية بل يشير أيضًا إلى أزمة محتملة قد تتصاعد في المستقبل القريب.
إن التحديات التي تواجهها دول حوض النيل هي أكبر من مجرد خلافات دبلوماسية بل تعكس صراعًا طويل الأمد على الموارد الطبيعية التي تعد شريان الحياة لملايين البشر في هذه المنطقة الحيوية وبدلاً من أن تكون المياه مصدرًا للتعاون والتكامل فإنها قد تتحول إلى مصدر للصراع والانقسام.
في ظل هذه الأجواء المتوترة يجب على المجتمع الدولي أن يتدخل لضمان عدم تفاقم الأزمة وأن يسعى إلى إيجاد حلول سلمية تضمن الحقوق المشروعة لجميع الأطراف المعنية
يجب أن تدرك إثيوبيا أن الاستمرار في هذه السياسات الأحادية لن يعود بالنفع على أحد بل سيؤدي إلى نتائج كارثية ليس فقط على صعيد العلاقات بين الدول بل أيضًا على مستوى الأمن الإقليمي والدولي.
يجب على مصر والسودان أن يستعدا للتصدي لهذا الواقع الجديد وأن يعملوا على تشكيل جبهة موحدة لمواجهة التحديات الناجمة عن تفعيل اتفاقية عنتيبي وعليهم أن يدركوا أن التفاوض والحوار هما السبيل الوحيد لتجنب الصراعات المحتملة حول مياه النيل.
ويمكن القول إن ما يجري في حوض نهر النيل هو مجرد بداية لمأساة قد تكون لها عواقب وخيمة إذا لم يتم التعامل معها بحكمة وحذر فالأمر لا يقتصر فقط على المياه بل يتعلق أيضًا بحياة الشعوب ومستقبلهم.