السيسي يحمّل المصريين وزر غلاء الأسعار ويتجاهل المسؤولية الوطنية
في مشهد يثير الاستنكار والغضب يقف السيسي أمام الشعب المصري متجاهلاً الحقائق المريرة التي تعيشها البلاد ويلقي اللوم على المواطنين بسبب ارتفاع أسعار الدولار ويصفهم بأنهم السبب وراء غلاء السلع المستوردة
وكأنهم هم من وضعوا أسس سياساته الاقتصادية الفاشلة وزرعوا الفساد في مؤسسات الدولة وساهموا في تدمير الاقتصاد الوطني
حين خرج ليقول لماذا لا نصنع هذه السلع في مصر بدلًا من استيرادها وليكن هدفنا إقامة المصانع اللازمة لانتاج ما يحتاجه المواطنون بدلًا من الاعتماد على السلع الأجنبية التي باتت عبئًا على كاهل الأسرة المصرية
السيسي في تصريحاته الأخيرة استخدم أرقامًا توضح حجم استيراد بعض السلع مثل ورق الفويل والشيكولاتة والعطور ومزيلات العرق والأجبان لكنه لم يشر إلى أن هذه السلع تمثل جزءًا بسيطًا من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تعاني منها مصر
من جانب آخر جاء وزير النقل والصناعة كامل الوزير ليزيد الطين بلة حين أطلق وصف السلع الاستفزازية على المنتجات التي يستوردها المواطنون قائلاً إن الأجبان وورق الفويل والشيكولاتة والعطور والدراجات والسجاد والملابس وغيرها هي مجرد كماليات يجب على المصريين الاستغناء عنها في ظل الأوضاع الصعبة
الغريب في الأمر أن كامل الوزير وفي تصريحه كشف عن أن البلاد تستورد تلك السلع بمبلغ 5.6 مليار دولار سنويًا وهذا يعني أن نصيب الفرد من هذه السلع لا يتجاوز 53 دولارًا في السنة
الأمر الذي يبرز الفجوة الكبيرة بين الحكومة والشعب في فهم الأزمات الاقتصادية فكيف يمكن تحميل المواطنين وزر استيراد منتجات لا يمكنهم الاستغناء عنها في حياتهم اليومية بينما الدولة تتجاهل دورها في تطوير الصناعات المحلية وإيجاد بدائل محلية لهذه السلع
وفي مقارنة مروعة تسلط الضوء على الفوضى المالية التي تعاني منها مصر يظهر أن ورق الفويل وحده كلف البلاد نصف مليار دولار خلال عشر سنوات وفقًا لإحصاءات الحكومة
وهذه القيمة تعادل تكلفة تشغيل الطائرة الجديدة للسيسي والتي يطلق عليها ملكة السماء والتي تستهلك أكثر من 20 ألف دولار في الساعة
مما يثير التساؤلات حول أولويات الحكومة في صرف الأموال في الوقت الذي تعاني فيه القطاعات الحيوية من التدهور والفشل
وفي هذا الإطار تأتي تصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي لتؤكد حالة التردي التي يعيشها الاقتصاد المصري حيث قال إن الدولة قد تضطر للتعامل بنظام اقتصاد الحرب في ظل تداعيات النزاعات الإقليمية
بينما تعاني البلاد من إغلاق عشرات المصانع وبيع الأصول بل وصل سقف الدين العام بالموازنة العامة إلى 15.1 تريليون جنيه وهو ما يعكس حجم الكارثة الاقتصادية التي تمر بها البلاد
بدلاً من مواجهة الأزمة بشكل واقعي وجذري نجد أن السيسي يحاول أن يلتف حول الحقائق ويدعي أن المواطن هو السبب في الأزمات
بينما يتهرب من تحمل المسؤولية الكاملة ويبتعد عن البحث عن حلول جذرية للتخفيف من الأعباء الاقتصادية على كاهل المواطن المصري
ففي ظل الأوضاع الحالية أصبح من الواضح أن الحكومة تواصل تجاهل الصوت الشعبي وتلقي باللوم على المواطنين كنوع من التهرب من المسؤولية
هذا التوجه لا يعكس فقط عجز الحكومة عن إيجاد حلول جذرية وإنما يُظهر أيضًا غياب رؤية واضحة لدى السيسي وفريقه في التعامل مع الأزمات المتلاحقة إذ أن تحميل المواطنين مسؤولية الأزمات الاقتصادية لن يحل المشكلة بل سيزيد من حالة الاحتقان والغضب في الشارع المصري
وبعد كل هذا يأتي السؤال الأهم كيف يستقيم الأمر أن تُحمّل الحكومة المواطن مسؤولية سياسة اقتصادية فاشلة وهي التي تتحكم في مقدرات البلاد وتقرر الأولويات السياسية والاقتصادية بعيدًا عن حاجات الشعب وما يحتاجه من خدمات ومنتجات
وبالرغم من كل هذه الأزمات لا تزال الحكومة تتجاهل واقع حياة المواطنين وتكتفي بإلقاء اللوم عليهم بدلًا من العمل على إيجاد حلول تنقذ الوضع المتردي
من المثير للقلق أن هذه التصريحات تأتي في وقت يئن فيه المواطن تحت وطأة الارتفاع الجنوني للأسعار والتدهور المستمر في قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية
ومع ذلك نجد أن الحكومة لا تقدم أي رؤية مستقبلية لمواجهة تلك التحديات بل تُصر على إلقاء اللوم على المواطن كحل سهل لتهربها من المسؤولية
فهل سيستمر هذا الوضع المأساوي دون أن يخرج صوت يندد بهذا العبث الاقتصادي وهل سيبقى المواطن هو الضحية الوحيدة في هذه اللعبة السياسية القذرة
في النهاية يبدو أن مصر أمام امتحان صعب لتجاوز هذه الأزمات فهل ستستيقظ الحكومة لتعيد تقييم سياساتها الاقتصادية وتستمع لصوت الشعب أم ستستمر في لعبة تحميل المواطن وزر كل ما يحدث
بينما تستمر الأوضاع في التدهور أكثر وأكثر ليظل المواطن المصري يعيش في دوامة من الأزمات التي لا تنتهي فكيف ستستطيع الحكومة أن تُقنع الشعب بأنها تسير في الاتجاه الصحيح
بينما تُحملهم كل تبعات الفشل على كافة الأصعدة هذا هو السؤال الذي يجب أن يُطرح بقوة في ظل هذه الأوضاع الكارثية التي لا يحتملها الوطن والمواطن على حد سواء.