يعد الحوار السياسي ركيزة أساسية في بناء المجتمعات الديمقراطية وتطويرها. إلا أن هذا الحوار قد ينحرف عن مساره البناء عندما يتحول إلى ساحة لتبادل الشتائم والألفاظ البذيئة بدلاً من تبادل الأفكار والرؤى. هذه الظاهرة، التي أصبحت متفشية في العديد من المجتمعات، تترك آثاراً عميقة وسلبية على النسيج الاجتماعي والسياسي للدول.
في جوهر المشكلة، نجد أن استخدام اللغة البذيئة في السياق السياسي يؤدي إلى تدهور مستوى الحوار العام بشكل كبير. فبدلاً من التركيز على القضايا الجوهرية والسياسات المطروحة، ينزلق النقاش إلى مستنقع الإهانات الشخصية والاتهامات غير المبررة.
هذا التحول يفرغ الحوار السياسي من محتواه الحقيقي ويحوله إلى مجرد تبادل للإساءات، مما يحرم المجتمع من فرصة حقيقية لمناقشة القضايا الملحة وإيجاد حلول فعالة لها.
علاوة على ذلك، فإن انتشار الألفاظ البذيئة في الخطاب السياسي يؤدي إلى تعميق الانقسامات داخل المجتمع. فبدلاً من خلق جو من التفاهم والتقارب بين مختلف الأطياف السياسية، يتم ترسيخ حالة من الاستقطاب الحاد.
هذا الاستقطاب يجعل من الصعب على الأطراف المختلفة التوصل إلى أرضية مشتركة أو حلول توافقية، مما يعيق عملية صنع القرار السياسي ويضعف قدرة المجتمع على مواجهة التحديات المشتركة.
من ناحية أخرى، فإن شيوع استخدام اللغة البذيئة في الساحة السياسية له تأثير سلبي على المشاركة الديمقراطية. فالعديد من المواطنين، وخاصة الفئات الأكثر حساسية أو الأقل خبرة في المجال السياسي، قد يحجمون عن المشاركة في النقاشات العامة خوفاً من التعرض للإساءة أو الإهانة.
هذا الإحجام يؤدي إلى إفقار الحياة السياسية وحرمانها من أصوات وآراء قد تكون قيمة ومفيدة للمجتمع.
كما أن هذه الظاهرة تترك أثراً سلبياً عميقاً على الأجيال الناشئة. فالشباب الذين يشهدون هذا النوع من الخطاب السياسي قد يتبنون هذه الأساليب كنموذج للتعامل مع الاختلاف، مما يهدد بترسيخ ثقافة عدم احترام الرأي الآخر في المجتمع لسنوات قادمة.
هذا التأثير يمتد ليشمل جميع جوانب الحياة الاجتماعية، وليس فقط المجال السياسي.
في الحالات القصوى، قد يؤدي تصاعد حدة الخطاب وانتشار الألفاظ البذيئة إلى تحفيز العنف في المجتمع. فعندما يصبح الخطاب السياسي مشحوناً بالكراهية والعداء، قد يتحول هذا العداء اللفظي إلى أعمال عنف فعلية، مما يهدد السلم الاجتماعي وقد يؤدي إلى عواقب وخيمة على المجتمع ككل.
للتصدي لهذه المشكلة، يتعين على المجتمع اتخاذ عدة خطوات:
أولاً، من الضروري تعزيز ثقافة الحوار البناء واحترام الرأي الآخر، وذلك من خلال التربية والتعليم والتوعية المجتمعية. ثانياً، يجب على المؤسسات الإعلامية أن تلعب دوراً أكثر مسؤولية في الحفاظ على مستوى راقٍ من الخطاب السياسي، ورفض نشر أو بث المحتوى الذي يحتوي على إساءات أو ألفاظ بذيئة.
كما أن هناك حاجة إلى إطار قانوني وتنظيمي يضع حدوداً واضحة لما يمكن اعتباره خطاباً مقبولاً في الساحة السياسية، مع الحرص على عدم المساس بحرية التعبير.
وأخيراً، يقع على عاتق القادة السياسيين والشخصيات العامة مسؤولية كبيرة في تقديم نموذج إيجابي للحوار السياسي المحترم والبناء.
إن معالجة ظاهرة استخدام الألفاظ البذيئة في الاختلاف السياسي تتطلب جهداً جماعياً ومستمراً من جميع أطياف المجتمع. فقط من خلال التزام الجميع بقواعد الحوار المحترم والبناء يمكن للمجتمع أن يستفيد حقاً من التنوع الفكري والسياسي، ويحقق التقدم والازدهار الذي ينشده الجميع.
طارق العوضي
القاهرة في ١٤ أكتوبر