جزيرة الوراق تحت الحصار: صمود الأهالي في مواجهة التهجير القاسي
شهدت جزيرة الوراق تحولًا خطيرًا في مسيرتها التاريخية، حيث تجمع عدد كبير من سكان الجزيرة في مؤتمر مجلس عائلات الوراق تحت شعار صريح ولا لبس فيه لا للتهجير نعم لحياة كريمة داخل جزيرة الوراق.
هذه الكلمات ليست مجرد شعارات بل هي صرخة إنسانية تعكس واقعًا مؤلمًا يعاني منه الأهالي بسبب تهديدات التهجير المستمرة.
تحدث المحامي ماجد مبروك، أحد أبناء الجزيرة، عن الدور الكبير الذي لعبه الشباب في تنظيم المؤتمر الذي تم التحضير له على مدى شهر كامل. كان الهدف واضحًا وهو توحيد صفوف أهالي الجزيرة لمواجهة عمليات التهجير والتنكيل.
وأكد مبروك أن هذا الاجتماع هو بداية حقيقية لمطالب مشروعة لا يمكن التنازل عنها، حيث تم تحديد خمس مطالب رئيسية سيتم رفعها إلى الجهات المسؤولة.
المطالب التي طرحها أهالي الوراق تعكس عمق الأزمة التي يعيشونها، ففي البيان الختامي للمؤتمر، أكد المشاركون على ضرورة أن يكون لكل مالك منزل خاص به في الجزيرة، وهو مطلب يُعتبر حقًا أساسيًا لا يمكن التنازل عنه.
كما طالبوا بعودة الخدمات التي تم إيقافها مؤخرًا، وإنهاء التضييق على حركة المعديات التي تربط الجزيرة بالعالم الخارجي.
أما المطلب الثالث، فكان يتضمن إدراج اسم الشهيد سيد حسن الجيزاوي الذي قُتل في اشتباكات وقعت بين قوات الأمن وسكان الجزيرة أثناء محاولة إخلائها في عام 2017 ضمن قائمة الشهداء، وذلك بالإضافة إلى المطالبة بتعويض أسرته بما يتناسب مع تضحياته.
وفي سياق متصل، طالب الأهالي بتعويضات مناسبة للشباب الذين أصيبوا خلال تلك المصادمات، حيث نتج عن تلك الإصابات عاهات مستدامة أثرت بشكل بالغ على حياتهم.
وكانت المطالبة الأخيرة هي ضرورة اختيار مجلس إدارة يمثل عائلات الجزيرة بشكل شرعي، مع بدء انعقاد دوري لهذا المجلس لمتابعة المشاكل الناتجة عن غياب الدولة وتقصيرها في تأدية واجباتها تجاه المواطنين.
على صعيد آخر، أشار المحامي محمد عبد الجليل إلى أن الملف الخاص بالجزيرة بات محصورًا في يد جهاز الأمن الوطني، واصفًا المطالب التي تم الإعلان عنها بأنها ليست جديدة، حيث سبق للأهالي أن عبروا عنها أكثر من مرة. ومع ذلك،
أكد عبد الجليل أن تلك المطالب هي حقوق طبيعية لا يمكن التفريط فيها، مشددًا على أن الأهالي لا يسعون إلى إثارة المشاكل بل يسعون لحياة آمنة في منازلهم.
تاريخ الأزمة يعود إلى عام 2018 عندما أصدر مجلس الوزراء القرار رقم 20 الذي نص على إنشاء مجتمع عمراني جديد على أراضي الجزيرة. تبع ذلك سلسلة من قرارات نزع ملكية الأراضي بهدف تنفيذ مشروع يتضمن إنشاء 68 برجًا في مدينة الوراق الجديدة لصالح هيئة المجتمعات العمرانية.
وهذه القرارات أدت إلى إخلاء عدد كبير من الأراضي والمنازل، حيث أظهرت وزارة الإسكان في يوليو الماضي أن 993 فدانًا من أصل 1295 فدانًا تم إخلاؤها، أي ما يعادل أكثر من 76% من المساحة المستهدفة.
في 26 يوليو 2022، أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات تغيير اسم جزيرة الوراق إلى مدينة حورس، مشيرة إلى تكلفة المشروع التي بلغت 17.5 مليار جنيه، مع تقديرات الإيرادات الكلية التي تصل إلى 122.54 مليار جنيه، في حين قدرت الإيرادات السنوية بحوالي 20.422 مليار جنيه على مدى 25 عامًا.
ويتضمن المشروع ثمانية مناطق استثمارية، إضافة إلى منطقة تجارية، ومنطقة إسكان متميز، وحديقة مركزية، ومنطقة خضراء، ومارينا.
هذا الواقع يعكس الأبعاد الكارثية التي يواجهها سكان الجزيرة، فالأهالي يتعرضون لضغوط هائلة تؤثر على حياتهم اليومية،
في الوقت الذي يراهن فيه المسؤولون على مشاريع تجارية ضخمة تهدف إلى تغيير هوية المنطقة بشكل جذري. إن صمود الأهالي في مواجهة هذه التحديات يعكس إصرارهم على البقاء والدفاع عن حقوقهم المشروعة.
الأحداث الأخيرة تبرز التوتر المتزايد بين السكان والسلطات، إذ يشعر الأهالي بأن حقوقهم تُهدر يومًا بعد يوم تحت وطأة المشاريع الحكومية التي تهدف إلى تطوير المنطقة على حسابهم.
التهديدات المستمرة بالتهجير والنزوح تعكس واقعًا مؤلمًا ومؤسفًا يُحتمل أن يؤدي إلى تداعيات خطيرة على النسيج الاجتماعي والثقافي للجزيرة.
في خضم هذا الوضع، يظل أهالي جزيرة الوراق صامدين، يطالبون بحقوقهم الأساسية في البقاء والعيش بكرامة. إن تطلعاتهم ليست مجرد أحلام بل هي حقوق مكتسبة تحتاج إلى الاعتراف والتقدير.
وهذا المؤتمر، وما جاء فيه من مطالب، ليس سوى بداية لمسيرة طويلة من النضال من أجل العدالة، إذ يعكس قوة الروح الجماعية لأهالي الجزيرة وإصرارهم على عدم التخلي عن وطنهم.
إن صمودهم أمام التحديات يجعل من قصتهم واحدة من أكثر القصص إلهامًا في ظل ظروف صعبة، مما يسلط الضوء على أهمية التمسك بالهوية والتراث في مواجهة محاولات التغيير القسري.